وعندما انتهى هذا المؤمن المجاهد المبارز من إستعراض تلك الإستدلالات والتبليغات المؤثّرة أعلن لجميع الحاضرين (إنّي آمنت بربّكم فاسمعون).
أمّا من هو المخاطب في هذه الجملة (فاسمعون) والجملة السابقة لها (إنّي آمنت بربّكم)؟
ظاهر الآيات السابقة يشير إلى أنّهم تلك المجموعة من المشركين وعبدة الأوثان الذي كانوا في تلك المدينة، والتعبير بـ "ربّكم" لا ينافي هذا المعنى أيضاً، إذ أنّ هذا التعبير ورد في الكثير من آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن الكفّار حينما تستعرض الإستدلالات التوحيدية(2).
وجملة "فاسمعون" لا تنافي ما قلنا، لأنّ هذه الجملة كانت دعوة لهم لاتّباع قوله، بالضبط كما ورد في قصّة مؤمن آل فرعون حيث قال: (ياقوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد) غافر- 38.
ومن هنا يتّضح أنّ ما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ المخاطب في هذه الجملة هم اُولئك الرسل، والتعبير بـ "ربّكم" وجملة "فاسمعون" قرينة على ذلك- لا يقوم عليه دليل سليم.
لكن لننظر ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم إزاء ذلك المؤمن الطاهر؟
القرآن لا يصرّح بشيء حول ذلك، ولكن يستفاد من طريقة الآيات التالية بأنّهم ثاروا عليه وقتلوه.
نعم فإنّ حديثه المثير والباعث على الحماس والمليء بالإستدلالات القوّية الدامغة، واللفتات الخاصّة والنافذة إلى القلب، ليس لم يكن لها الأثر الإيجابي في تلك القلوب السوداء المليئة بالمكر والغرور فحسب، بل إنّها على العكس أثارت فيها الحقد والبغضاء وسعرت فيها نار العداوة، بحيث أنّهم نهضوا إلى ذلك الرجل الشجاع وقتلوه بمنتهى القسوة والغلظة. وقيل انّهم رموه بالحجارة، وهو يقول: اللهمّ اهدِ قومي، حتّى قتلوه(3).
وفي رواية اُخرى أنّهم وطؤوه بأرجلهم حتّى مات(4).
﴿إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الذي خلقكم ﴿فَاسْمَعُونِ﴾ اسمعوا قولي.