ولقد أوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة بعبارة جميلة مختصرة هي (قيل ادخل الجنّة) وهذا التعبير ورد في خصوص شهداء طريق الحقّ في آيات اُخرى من القرآن الكريم (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون).(5)
والجدير بالذكر والملاحظة أنّ هذا التعبير يدلّل على أنّ دخوله الجنّة كان مقترناً باستشهاده شهادة هذا الرجل المؤمن، بحيث أنّ الفاصلة بين الإثنين قليلة إلى درجة أنّ القرآن المجيد بتعبيره اللطيف ذكر دخوله الجنّة بدلا عن شهادته، فما أقرب طريق الشهداء إلى السعادة الدائمة!!
وواضح أنّ المقصود من الجنّة هنا، هي (جنّة البرزخ) لأنّه يستفاد من الآيات ومن الرّوايات أنّ الجنّة الخالدة في يوم القيامة ستكون نصيب المؤمنين، كما أنّ جهنّم ستكون نصيب المجرمين.
وعليه فإنّ هناك جنّة وجهنّم اُخريين في عالم البرزخ، وهما نموذج من جنّة وجهنّم يوم القيامة، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال: "والقبر روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النار"(6).
وما احتمله البعض من أنّ هذه الجملة إشارة إلى خطاب يخاطب به هذا المؤمن الشهم في يوم القيامة، وأنّها تحوي جنبة مستقبلية، فهو خلاف لظاهر الآية.
على كلّ حال فإنّ روح ذلك المؤمن الطاهرة، عرجت إلى السماء إلى جوار رحمة الله وفي نعيم الجنان، وهناك لم تكن له سوى اُمنية واحدة (قال ياليت قومي يعلمون).
﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ وذلك بعد موته أو قتله، بشره الرسل به أو حين هموا بقتله فرفع إلى الجنة حيا وحذف المقول للعلم به كأنه قيل ما قال في الجنة ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾.