ياليت قومي يعلمون بأي شيء (بما غفر لي ربّي وجعلني من المكرمين)(7).
أي: ليست أنّ لهم عين تبصر الحقّ، لهم عين غير محجوبة بالحجب الدنيوية الكثيفة والثقيلة، فيروا ما حُجب عنهم من النعمة والإكرام والإحترام من قبل الله، ويعلموا أي لطف شملني به الله في قبال عدوانهم عليّ .. لو أنّهم يبصرون ويؤمنون، ولكن ياحسرةً!!
في حديث عن الرّسول (ص) فيما يخصّ هذا المؤمن "إنّه نصح لهم في حياته وبعد موته"(8).
ومن الجدير بالملاحظة أنّه تحدّث أوّلا عن نعمة الغفران الإلهي، ثمّ عن الإكرام، إذ يجب أوّلا غسل الروح الإنسانية بماء المغفرة لتنقيتها من الذنوب، وحينها تأخذ محلّها على بساط القرب والإكرام الإلهي.
والجدير بالتأمّل أنّ الإكرام والإحترام والتجليل، وإن كان من نصيب الكثير من العباد، واُصولا فإنّه- أي الإكرام- يتعاظم مع "التقوى" جنباً إلى جنب، (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم).(9) ولكن (الإكرام) بشكل مطلق وبدون أدنى قيد أو شرط جاء في القرآن الكريم خاصاً لمجموعتين:
الاُولى: "الملائكة المقرّبون" (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون).(10)
والثانية: الأشخاص الذين بلغوا بإيمانهم أكمل الإيمان ويسمّيهم القرآن "المخلَصين" فيقول عنهم: (اُولئك في جنّات مكرمون)(11)(12).
وعلى كلّ حال، فقد كان هذا مآل ذلك الرجل المؤمن المجاهد الصادق الذي أدّى رسالته ولم يقصّر في حماية الرسل الإلهيين، وارتشف في النهاية كأس الشهادة، وقَفل راجعاً إلى جوار رحمة ربّه الكريم.
ولكن لننظر ما هو مصير هؤلاء القوم الطغاة الظلمة؟.
مع أنّ القرآن الكريم لم يورد شيئاً في ما انتهى إليه عمل هؤلاء الثلاثة من الرسل الذين بعثوا إلى هؤلاء القوم، لكن جمعاً من المفسّرين ذكروا أنّ هؤلاء قتلوا الرسل أيضاً إضافةً إلى قتلهم ذلك الرجل المؤمن، وفي حال أنّ البعض الآخر يصرّح بأنّ هذا الرجل الصالح شاغل هؤلاء القوم بحديثه وبشهادته لكي يتسنّى لهؤلاء الرسل التخلّص ممّا حيك ضدّهم من المؤامرات، والإنتقال إلى مكان أكثر أمناً، ولكن نزول العذاب الإلهي الأليم على هؤلاء القوم قرينة على ترجيح القول الأوّل، وإن كان التعبير "من بعده" (أي بعد شهادة ذلك المؤمن) يدلّل- في خصوص نزول العذاب الإلهي- على أنّ القول الثاني أصحّ "تأمّل بدقّة!!".
رأينا كيف أصرّ أهالي مدينة أنطاكية على مخالفة الإلهيين، والآن لننظر ماذا كانت نتيجة عملهم؟
﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ بغفرانه أو بالذي غفره ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ تمنى علمهم بحاله ليرغبوا في مثله.