الآية التالية توضيح وشرح للآية الاُولى من هذه الآيات، فهي توضّح كيفية إحياء الأرض الميتة، فتقول: (وجعلنا فيها جنّات من نخيل وأعناب وفجّرنا فيها من العيون).
كان الحديث في الآية الاُولى عن الحبوب الغذائية، بينما الحديث هنا عن الفواكه المقوّية والمغذّية والتي يعدّ "التمر" و "العنب" أبرز وأهمّ نماذجها حيث يعتبر كلّ منهما غذاءً كاملا.
وكما أشرنا سابقاً فقد دلّت دراسات العلماء وبحوثهم على أنّ هاتين الفاكهتين تحتويان على الفيتامينات والمواد الحياتية المختلفة واللازمة لجسم الإنسان، إضافةً إلى أنّ هاتين الفاكهتين يمكن حفظهما وتناولهما طازجتين أو مجفّفتين على مدار العام.
"أعناب" جمع "عنب" و "النخيل"- كما يقول الراغب في مفرداته- جمعه "نخل" ولكن بإختلاف بين الكلمتين، (فالعنب) يطلق على الثمرة نفسها، ومن النادر إطلاقه على شجرة العنب ولكن "النخل" اسم للشجرة، و (الثمره) يقال له "الرطب" أو "التمر".
يرى البعض بأنّ هذا الإختلاف في التعبير عن الفاكهتين بالإشارة إلى الشجرة مرّة وإلى الثمرة مرّة اُخرى، بسبب أنّ النخلة- وكما هو معروف- كلّها مفيدة وقابلة للإستفادة، جذعها وجريدها وسعفها وأخيراً ثمرها، في حين أنّ شجرة (الكرم) غالباً ما يستفاد من "عنبها" فقط، وأمّا ساقها وأوراقها فلا يستفاد منها إلاّ قليلا.
وأمّا ما ورد من ذكر الإثنتين بصيغة الجمع، فيبدو أنّه إشارة إلى الأنواع المختلفة لكلّ منهما، إذ أنّ كلا منهما لها عشرات الأنواع تختلف في أشكالها وخصائصها ومذاقها.
والجدير بالملاحظة- أيضاً- أنّ الحديث في هذه الآية تعرّض إلى إحياء الأرض الميتة دون أن يقرن ذلك بذكر المطر الذي عادةً ما يذكر في مثل هذه المواضع، وورد الحديث هنا عن "العيون"، وذلك لأنّ المطر كاف لزراعة الكثير من المحاصيل والنباتات، في حين أنّ الأشجار المثمرة تحتاج إلى الماء الجاري أيضاً.
"فجّرنا" من مادّة "تفجير" وهو شقّ الشيء شقّاً واسعاً، ومن هنا إستخدمت الكلمة للتعبير عن العيون، لأنّها تشقّ الأرض وتدفع ماءها إلى سطح الأرض(2).
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ من أنواعهما وخصا بالذكر لكثرة منافعهما ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ﴾ بعضهما