التّفسير
هذه الآيات تتحدّث في قسم آخر من آثار عظمة الله في عالم الوجود، وحلقة اُخرى من حلقات التوحيد التي مرّ منها في الآيات السابقة ما يتعلّق بالمعاد وإحياء الأرض الميتة، ونمو النباتات والأشجار.
تقول الآية الكريمة الاُولى (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون).
"نسلخ" من مادّة (سلخ) وتعني في الأصل نزع جلد الحيوان، والتعبير في الآية تعبير لطيف، فكأنّ نور النهار لباس أبيض ألبسه جسد الليل، يُنزع عنه إذا حلّ الغروب ليبدو لونه الذاتي، والتأمّل في هذا التعبير يوضّح هذه الحقيقة، وهي أنّ الظلام هو الطبيعة الأصل للكرة الأرضية، وأنّ النور والإضاءة صفة عارضة عليها تأتيها من مصدر آخر، فهو كاللباس الذي يرتدى، وحينما يُخلع ذلك الثوب، يظهر اللون الطبيعي للبدن(1).
هنا يشير القرآن الكريم إلى ظلمة الليل، وكأنّه يريد- بعد أن تعرّض إلى كيفية إحياء الأرض الميتة كآية من آيات الله في الآيات السابقة- أن يعرض نموذجاً عن الموت بعد الحياة من خلال مسألة تبديل النور بظلمة الليل.
على كلّ حال، فعندما يستغرق الإنسان في ظلمة الليل، ويتذكّر النور وبركاته ونشاطه ومنبعه يتعرّف- بتأمّل يسير- على خالق النور والظلام.
﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ﴾ نزيل ونفصل عن مكانه ﴿النَّهَارَ﴾ استعير من سلخ الجلد ﴿فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾ داخلون في الظلام