الآية التي بعدها تتعرّض إلى النور والإضاءة وتذكر الشمس فتقول: (والشمس تجري لمستقر لها)(2).
هذه الآية تبيّن بوضوح حركة الشمس بشكل مستمر، أمّا ما هو المقصود من تلك الحركة؟ فللمفسّرين أقوال متعدّدة:
قال بعضهم: إنّ ذلك إشارة إلى حركة الشمس الظاهرية حول الأرض، تلك الحركة التي ستستمر إلى آخر عمر العالم الذي هو نهاية عمر الشمس ذاتها.
وقال آخرون: إنّه إشارة إلى ميل الشمس في الصيف والشتاء نحو الشمال والجنوب على التوالي، لأنّنا نعلم بأنّ الشمس تميل عن خطّ إعتدالها في بدء الربيع بطرف الشمال، لتدخل في مدار (23) درجة شمالا، وتعود مع بدء الصيف قليلا قليلا حتّى تنتهي إلى خطّ إعتدالها عند بداية الخريف وتستمر على خطّ سيرها ذلك باتّجاه الجنوب حتّى بدء الشتاء، ومن بدء الشتاء تتحرّك باتّجاه خطّ إعتدالها حتّى تبلغ ذلك عند بدء الربيع. وبديهي أنّ جميع تلك الحركات في الواقع ناجمة عن حركة الأرض حول الشمس وإنحرافها عن خطّ مدارها، وان كانت ظاهراً تبدو وكأنّها حركة الشمس.
وآخرون اعتبروا الآية إشارة إلى حركة الشمس الموضعية بالدوران حول نفسها، حيث أثبتت دراسات العلماء بشكل قطعي أنّ الشمس تدور حول نفسها(3).
وآخر وأحدث التفاسير التي ظهرت بخصوص هذه الآية، هو ما كشفه العلماء أخيراً من حركة الشمس مع منظومتها باتّجاه معيّن ضمن المجرة التي تكون المجموعة الشمسية جزءاً منها، وقيل أنّ حركتها باتّجاه نجم بعيد جدّاً أطلقوا عليه اسم "وجا".
كلّ هذه المعاني المشار إليها لا تتضارب فيما بينها، ويمكن أن تكون جملة "تجري" إشارة إلى جميع تلك المعاني ومعاني اُخرى لم يصل العلم إلى كشفها، وسوف يتمّ كشفها في المستقبل.
وعلى كلّ حال، فإنّ حركة كوكب الشمس الذي يعادل مليون ومائتي الف مرّة حجم الأرض، بحركة دقيقة ومنظمة في هذا الفضاء اللامتناهي، ليس مقدوراً لغير الله سبحانه الذي تفوق قدرته كلّ قدرة وبعلمه اللامتناهي، لذا فإنّ الآية تضيف في آخرها (ذلك تقدير العزيز العليم).
أمّا آخر ما قيل في تفسير هذه الآية فهو أنّ تعبير الآية يشير إلى نظام السنّة الشمسية الناشىء عن حركة الشمس عبر الأبراج المختلفة، ذلك النظام الذي يعطي لحياة الإنسان نظاماً وبرنامجاً معيّناً يؤدّي إلى تنظيم حياته من مختلف النواحي.
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ لمنتهى دورها ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾.