لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية الأخيرة من هذه الآيات، تتحدّث عن ثبات ودوام ذلك النظم في السنين والشهور، والنهار والليل، فقد وضع الله سبحانه وتعالى لها نظاماً وبرنامجاً لا يقع بسببه أدنى إضطراب أو إختلال في وضعها وحركتها، وبذا ثبت تاريخ البشر وإنتظم بشكل كامل، تقول الآية: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلّ في فلك يسبحون). من المعلوم أنّ الشمس تطوي في دورانها خلال العام الأبراج الإثني عشر، في حين أنّ القمر يطوي منازله خلال شهر واحد، وعليه فحركة القمر أسرع من حركة الشمس في مدارها إثنتي عشرة مرّة، لذا فإنّ الآية تقول بأنّ الشمس بحركتها لا يمكنها أن تدرك القمر في حركته فتقطع في شهر واحد ما تقطعه في سنة واحدة. وبذا يختلّ النظام السنوي لها. كما أنّ الليل لا يتقدّم على النهار، بحيث يدخل جزء منه في النهار، فيختلّ النظام الموجود، بل إنّهما- على مدى ملايين السنين- ثابتان على مسيرهما دون أدنى تغيير. يتّضح ممّا قلنا أنّ المقصود من حركة الشمس في هذا البحث، هي الحركة بحسب حِسّنا بها، والملفت للنظر هنا، هو أنّ هذا التعبير عن حركة الشمس ظلّ يستعمل حتّى بعد أن ثبت للجميع بأنّ الشمس هي المركز الثابت لحركة الأرض حولها، فمثلا يقال: إنّ الشمس قد تحوّلت إلى برج الحمل، أو يقال: وصلت الشمس إلى دائرة نصف النهار، أو أنّ الشمس بلغت الميل الكامل (الميل الكامل هو بلوغ الشمس إلى أقصى نقطة إرتفاع لها في نصف الكرة الأرضية الشمالي في بداية الصيف أو بالعكس أدنى نقطة إنخفاض في بداية الشتاء). هذه التعبيرات تدلّل دوماً على أنّه حتّى بعد أن تمّ الكشف عن دوران الأرض حول الشمس وثبات الأخيرة ظلّت تستخدم، لأنّ النظر الحسّي يستشعر حركة الشمس وثبات الأرض، ومن هنا تستعمل هذه التعبيرات، وعلى هذا أيضاً يكون قوله تعالى: (وكلّ في فلك يسبحون). كذلك يحتمل أن يكون المقصود من (السباحة) هنا حركة الشمس في فلكها مع المنظومة الشمسية والمجرّة التي نحن فيها، حيث أنّ الثابت علمياً حالياً أنّ المنظومة الشمسية التي نعيش فيها جزء من مجرّة عظيمة هي بدورها في حالة دوران. إذ أنّ "فلك" كما يقول أرباب اللغة بمعنى: بروز وإستدارة ثدي البنت، ثمّ اُطلقت على القطعة المدوّرة من الأرض أو الأشياء المدوّرة الاُخرى أيضاً، ومنه اُطلق على مسير الكواكب الدوراني. جملة (كلّ في فلك يسبحون) في إعتقاد الكثير من المفسّرين، إشارة إلى كلّ من الشمس والقمر والنجوم الاُخرى التي تتّخذ لنفسها مسارات ومدارات، وإن لم يرد ذكر النجوم في الآية، ولكن بملاحظة ذكر "الليل" وإقتران ذكر النجوم مع القمر والشمس، لا يستبعد المعنى المذكور، خاصّة وأنّ "يسبّحون" ورد بصيغة الجمع. وكذلك يحتمل أن تكون الجملة إشارة إلى كلّ من الشمس والقمر والليل والنهار، لأنّ كلا من الليل والنهار له مدار خاص، ويدور حول الأرض بدقّة، فالظلام يغطّي نصف الكرة الأرضية دوماً، والنور يغطّي النصف الآخر منها، وهما يتبادلان المواضع خلال أربع وعشرين ساعة ويتمّان دورة كاملة حول الأرض. "يسبّحون" من مادة "سباحة" وهي كما يقول "الراغب" في المفردات: المرّ السريع في الماء والهواء. واستعير لحركة النجوم في الفلك والتسبيح تنزيه الله تعالى، وأصله المرّ السريع في عبادة الله!" ولذا فإنّها في الآية إشارة إلى الحركة السريعة للأجرام السماوية، والآية تشبهها بالموجودات العاقلة المستمرة في دورانها، وقد ثبت حالياً أنّ الأجرام السماوية تنطلق بسرعة هائلة في الفضاء. بحوث 1- حركة الشمس (الدورانية) و (الجريانية) "الدوران" لغةً يطلق على الحركة المغزلية، في حال أنّ "الجريان" يطلق على الحركة الطولية، والملفت للنظر أنّ الآيات أعلاه، نسبت الحركتين إلى الشمس، فقالت: (والشمس تجري) ... و (كلّ في فلك يسبحون). كانت المحافل العلمية أيّام نزول الآية متمسّكة بنظرية "بطليموس" التي كانت تقول بأنّ الأجرام السماوية ليس فيها حركة دورانية، بل إنّ باطن الأفلاك التي تتكوّن من أجسام بلّورية متراكمة على بعضها البعض كتراكم طبقات البصلة وثابتة، وحركتها تتبع حركة أفلاكها، وعليه فلم يكن في تلك الأيّام معنى لا لجريان الشمس ولا غيره. أمّا بعد أن تداعت الاُسس التي تقوم عليها فرضية بطليموس في ضوء الإكتشافات الجديدة في القرون الأخيرة، وتحرّرت الأجرام السماوية من قيد الأفلاك البلورية، فقد قويت نظرية كون الشمس هي مركز المنظومة الشمسية، وهي ثابتة وجميع المنظومة الشمسية تدور حولها. هنا أيضاً لم تكن تعبيرات الآيات أعلاه مفهومة فيما يتعلّق بحركة الشمس الطولية والدورانية حتّى أثبت العلم بتطوّره عدّة حركات للشمس في العقود الأخيرة. وهي: حركة الشمس الموضعية حول نفسها. حركة الشمس الطولية مع المنظومة الشمسية باتّجاه نقطة محدّدة في السماء. وحركتها الدورانية مع المجرّة التي تتبعها وبذا ثبتت معجزة علمية اُخرى للقرآن. ولتوضيح هذه المسألة نورد ما ورد في إحدى دوائر المعارف حول حركة الشمس: للشمس حركة ظاهرية واُخرى واقعية، وتشترك الشمس في الحركة الظاهرية- اليومية- فهي تشرق من مشرق نصف الكرة الأرضي الذي نعيش فيه، وتمرّ في طرف الجنوب من نصف النهار ثمّ تغرب من المغرب، وعبورها من نصف النهار يشخّص الظهر الحقيقي- الزوال- . وللشمس أيضاً حركة ظاهرية اُخرى- سنوية- حول الأرض بحيث أنّها تقترب من المشرق درجة واحدة كلّ يوم، وفي هذه الحركة تمرّ الشمس مقابل الأبراج مرّة واحدة كلّ عام، ومدار هذه الحركة يقع على صفحة "دائرة البروج" ولهذه الحركة أهميّة عظمى في علم الفلك، فظاهرة "الإعتدالين" و "الإنقلاب" و"الميل الكلّي" كلّها مرتبطة بهذا العلم، وعلى أساس ذلك يحسب العام الشمسي. علاوةً على هذه الحركات الظاهرية فإنّ للشمس حركة دورانية في المجرّة، فالشمس تنطلق بسرعة دورانية في الفضاء تعادل مليون ومائة وثلاثين ألف كيلومتر في الساعة!! وفي داخل المجرّة فهي ليست ثابتة أيضاً، بل إنّها أيضاً تدور بسرعة تقارب إثنين وسبعين الف كيلومتر في الساعة ضمن المجموعة النجمية المسمّاة "الجاثي على ركبتيه"(5). وعدم علمنا بتلك الحركة السريعة للشمس هو بُعد الأجرام السماوية، والذي هو المانع من تشخيص تلك الحركة الموضعية أيضاً. دورة الحركة الوضعية للشمس على محورها تستغرق حدود الخمسة وعشرين يوماً بلياليها(6). 2- تعبير "تدرك" و "سابق" إنّ التعبيرات القرآنية إستعملت بدقّة متناهية لا يمكن الإحاطة بجميع أبعادها. ففي الآيات أعلاه حينما تتحدّث عن الحركة الظاهرية للقمر والشمس خلال المسيرة الشهرية والسنوية تقول: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر). إذ أنّ القمر ينهي مسيرته في شهر واحد بينما الشمس في عام كامل. أمّا حينما تحدّثت عن الليل والنهار قالت: (ولا الليل سابق النهار) لعدم وجود فاصلة بينهما ولتعاقبهما. فالتعابير غاية في الدقّة. 3- نظام النور والظلام في حياة البشر: تعرّضت الآيات أعلاه إلى موضوعين من أهمّ المواضيع المتعلّقة بحياة البشر. على أنّهما آيتان من آيات الله وهما مسألة ظلمة الليل ومسألة الشمس ونورها. قلنا سابقاً أنّ النور من ألطف وأكثر موجودات العالم المادّي بركة. وليس لإضاءتنا ومعيشتنا فقط فكلّ حركة ونشاط مرتبط بنور الشمس، نزول قطرات المطر، نمو النباتات، تفتّح البراعم، نضوج الثمار والفواكه، خرير الجداول، تلوين مائدة الطعام بأنواع المواد الغذائية، وحتّى حركة عجلة المصانع العظيمة، وتوليد الطاقة الكهربائية، وأنواع المنتجات الصناعية، كلّها تعود في أصلها إلى هذا المنبع العظيم للطاقة، أي نور الشمس. وخلاصة القول فإنّ جميع الطاقات على سطح الكرة الأرضية- عدا الطاقة الناجمة عن تفجير الذرّة- جميعها تستمدّ وجودها من نور الشمس، ولولا الأخير لخيّم الصمت والموت على كلّ مكان. ظلمة الليل مع أنّها تذكر بالموت والفناء، فإنّها تعدّ من الاُمور الحياتية الهامّة في حياة البشر، لأنّها تعدل نور الشمس وتؤثّر عميقاً في راحة جسم وروح الإنسان، والمنع من المخاطر الناجمة عن تسلّط أشعّة الشمس بشكل متواصل ومستمر، بحيث لو لم يكن الليل عقيب النهار لأرتفعت درجة الحرارة على سطح الأرض إلى درجة أنّ الأشياء جميعاً تأخذ بالإشتعال والإحتراق، كذلك في القمر حيث الليالي والأيّام طويلة (كلّ ليلة هناك تعادل حوالي خمسة عشر يوماً بلياليها على الأرض، كذلك الحال بالنسبة للنهار) فحرارة النهاره قاتلة، وبرودة مجمّدة. وعليه فإنّ كلا من "النور والظلام" آية إلهية عظيمة. ناهيك عن أنّ النظام المتناهي الدقّة الذي يحكمهما، أدّى إلى تنظيم تأريخ حياة البشر، ذلك التأريخ الذي لولا وجوده لتفتتت الروابط الإجتماعية، وأصبحت الحياة بالنسبة إلى البشر أشبه بالمستحيل، وبذا فإنّ كلا من "النور والظلام" آيتان إلهيتان من هذه الناحية أيضاً. والملفت للنظر هنا هو قول القرآن الكريم: (ولا الليل سابق النهار). وهذا التعبير يدلّل على أنّ النهار خلق قبل الليل، والليل بعده تماماً، فلو أنّ أحداً نظر من خارج الكرة الأرضية فسيرى موجودين أسود وأبيض يدوران بشكل مرتّب حول الأرض، وفي مثل هذه الحركة الدائرية لا يمكن تصوّر القبل والبعد فيها. ولكن إذا أخذنا بنظر الإعتبار أنّ الأرض التي نعيش عليها كانت يوماً ما جزءاً من الشمس، وفي ذلك الوقت لم يكن سوى النهار، ولا وجود لليل، ثمّ بعد أن انفصلت الكرة الأرضية عن الشمس وإبتعدت تكون لها ظلّ مخروطي الشكل من الجهة المخالفة للشمس فكأنّ الليل، الليل الذي أصبحت حركته بعد النهار، نعم، لو توجّهنا لكلّ ذلك لاتّضحت دقّة ولطافة هذا التعبير. وكما قلنا سابقاً فليس الشمس والقمر وحدهما يسبحان في هذا الفضاء المترامي، بل إنّ الليل والنهار أيضاً يسبحان حول الكرة الأرضية، وكلّ منهما له مدار ومسير دائري. وقد ورد في روايات متعدّدة عن أهل البيت (ع) التصريح بأنّ الله سبحانه وتعالى خلق النهار قبل الليل. فعن الإمام الصادق (ع) أنّه قال جواباً على سؤال في حديث طويل: "نعم خلق النهار قبل الليل، والشمس والقمر والأرض قبل السماء"(7). وعن الإمام الرضا (ع) أنّه قال: "فالنهار خلق قبل الليل وفي قوله تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) أي قد سبقه النهار"(8). وورد نفس المعنى عن الإمام الباقر (ع) حين قال: "إنّ الله عزّوجلّ خلق الشمس قبل القمر، وخلق النور قبل الظلمة"(9). ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي﴾ يتأتى ﴿لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ في سرعة سيره لإخلال ذلك بالنظام ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ لا يدخل في وقته بل يتعاقبان، وفي الرضوي: النهار قبل الليل واستدل بالآية ﴿وَكُلٌّ﴾ من الشمس والقمر والسيارات ﴿فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ يسيرون نزلت منزلة من تعقل أو لها أنفس تعقل.