التّفسير
الإعراض عن جميع آيات الله:
بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة عن الآيات الإلهيّة في عالم الوجود، تنتقل هذه الآيات لتتحدّث عن ردّ فعل الكفّار المعاندين في مواجهة هذه الآيات الإلهيّة، وكذلك توضّح دعوة النّبي (ص) لهم وإنذارهم بالعذاب الإلهي الأليم.
يفتتح هذا المقطع بالقول: (وإذا قيل لهم اتّقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلّكم ترحمون)(1).
للمفسّرين أقوال عديدة حول ما هو معنى قوله: (ما بين أيديكم) و (ما خلفكم) منها: أنّ المقصود بـ "ما بين أيديكم" العقوبات الدنيوية التي أوردت الآيات السابقة نماذج منها، والمقصود بـ "ما خلفكم" عقوبات الآخرة، وكأنّه يراد القول بأنّها خلفهم ولم تأت إليهم وسوف تصل إليهم في يوم ما وتحيط بهم، والمقصود بـ "التقوى" من هذه العقوبات، هو عدم إيجاد العوامل التي تؤدّي إلى وقوع هذه العقوبات، والدليل على ذلك أنّ التعبير بـ "اتّقوا" يرد في القرآن إمّا عند ذكر الله سبحانه وتعالى أو عند ذكر يوم القيامة والعقوبات الإلهيّة، وهذان الذكران وجهان لحقيقة واحدة، إذن أنّ الإتّقاء من الله هو اتّقاءٌ من عقوباته.
وذلك دليل على أنّ الآية تشير إلى الإتقاء من عذاب الله ومجازاته في الدنيا وفي الآخرة.
ومن هذه التّفسيرات أيضاً عكس ما ورد في التّفسير الأوّل، وهو أنّ "ما بين أيديكم" تعني عقوبات الآخرة و "ما خلفكم" تعني عذاب الدنيا، لأنّ الآخرة أمامنا (وهذا التّفسير لا يختلف كثيراً عن الأوّل من حيث النتائج).
وذهب آخرون إلى أنّ المقصود من "بين أيديكم" الذنوب التي إرتكبت سابقاً، فتكون التقوى منها بالتوبة وجبران ما تلف بواسطتها، و "ما خلفكم" الذنوب التي سترتكب لاحقاً.
والبعض يرى بأنّ "بين أيديهم" الذنوب الظاهرة، و "ما خلفكم" الذنوب الباطنة والخفيّة.
وقال البعض الآخر: "ما بين أيديكم" إشارة إلى أنواع العذاب في الدنيا، و "ما خلفكم" إشارة إلى الموت (والحال أنّ الموت ليس ممّا يتّقى منه!!).
والبعض- كصاحب تفسير "في ظلال القرآن"- اعتبر هذين التعبيرين كناية عن إحاطة موجبات الغضب والعذاب الإلهي التي تحيط بالكافر من كلّ جانب.
و "الآلوسي" في "روح المعاني" و "الفخر الرازي" في "التّفسير الكبير" كلّ منهما ذكر إحتمالات متعدّدة، ذكرنا قسماً منها.
و "العلاّمة الطباطبائي" في "الميزان" يرى أنّ "ما بين أيديكم" الشرك والمعاصي في الحياة الدنيا، و "ما خلفكم" العذاب في الآخرة(2). في حين أنّ ظاهر الآية هو أنّ كلا الإثنين من جنس واحد، وليس بينهما سوى التفاوت الزمني، لا أنّ إحداهما إشارة إلى الشرك والذنوب، والاُخرى إشارة إلى العقوبات الواقعة نتيجة ذلك.
على كلّ حال فأحسن تفسير لهذه الجملة هو ما ذكرناه أوّلا، وآيات القرآن المختلفة شاهد على ذلك أيضاً، وهو أنّ المقصود من "ما بين أيديكم" هو عقوبات الدنيا و "ما خلفكم" عقوبا الآخرة.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ وقائع الأمم الماضية وأمر الساعة أو ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة أو عكسه ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لتكونوا راجين رحمة الله وجواب إذا أعرضوا بدلالة.