التّفسير
أصحاب الجنّة فاكهون!
هنا يبدأ البحث حول كيفية الحساب في المحشر، ثمّ ينتقل في الختام إلى تفصيل وضع المؤمنين الصلحاء والكفّار الطالحين، فتقول الآية الكريمة الاُولى: (فاليوم لا تظلم نفس شيئاً).
فلا ينقص من أجر وثواب أحد شيئاً، ولا يزاد على عقوبة أحد شيئاً، ولن يكون هنالك أدنى ظلم أو إضطهاد لأحد حتّى بمقدار رأس الإبرة.
ثمّ تنتقل الآية لتوضّح تلك الحقيقة وتعطي دليلا حيّاً عليها فتقول: (ولا تجزون إلاّ ما كنتم تعملون).
إنّ ظاهر الآية- ومن دون تقدير مضمر- يهدف إلى القول بأنّ جزاءكم جميعاً هو نفس أعمالكم، فأي عدالة أفضل وأعلى من هذه العدالة؟!
وبعبارة اُخرى: فإنّ الأعمال الحسنة والسيّئة التي قمتم بها في هذه الدنيا سترافقكم في ذلك العالم أيضاً، ونفس تلك الأعمال ستتجسّد هناك وترافقكم في جميع مراحل الآخرة، في المحشر وبعد نهاية الحساب.
فهل أنّ تسليم حاصل عمل إنسان إليه أمر مخالف للعدالة؟
وهل أنّ تجسيد الأعمال وقرنها بعاملها ظلم؟
ومن هنا يتّضح أن لا معنى للظلم أساساً في مشهد يوم القيامة، وإذا كان يحدث في الدنيا بين البشر أن تتحقّق العدالة حيناً ويقع الظلم أحياناً كثيرة، فذلك لعدم إمكان ربط الأعمال بفاعليها.
جمع من المفسّرين تصوروا أنّ الجملة الأخيرة أعلاه تتحدّث عن الكفّار والمسيئين الذين سيرون عقاباً على قدر أعمالهم، دون أن تشمل المؤمنين، بلحاظ أنّ الله سبحانه وتعالى قد جزاهم وأثابهم بأضعاف ما يعادل أعمالهم.
ولكن بملاحظة ما يلي ينحلّ هذا الإشتباه، وهو أنّ الحديث هنا هو حديث عن العدالة في الثواب والعقاب وأخذ الجزاء حسب الإستحقاق، وهذا لا ينافي أنّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يزيد المؤمنين من فضله، فهذه مسألة (تفضل) وتلك مسألة (إستحقاق).
﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ إلا جزاءه.