الآية التالية تشير إلى لوم الله تعالى وتوبيخه المجرمين في يوم القيامة قائلا: (ألم أعهد إليكم بابني آدم ألاّ تعبدوا الشيطان إنّه لكم عدوٌّ مبين).
إنّ هذا العهد الإلهي أُخذ على الإنسان من طرق مختلفة، وكرّر على مسمعه مرّات ومرّات: (يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنّه يريكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون)(1) جرى هذا التحذير وبشكل متكرّر على لسان الأنبياء والرسل: (ولا يصدنّكم الشيطان إنّه لكم عدو مبين)(2) وكذلك في الآية (168) من سورة البقرة نقرأ: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنّه لكم عدو مبين).
ومن جانب آخر فإنّ هذا العهد اُخذ على الإنسان في عالم التكوين، وبلسان إعطاء العقل له، إذ أنّ الدلائل العقلية تشير بشكل واضح إلى أنّ على الإنسان أن لا يطيع من تصدّى لعداوته منذ اليوم الأوّل وأخرجه من الجنّة، وأقسم على إغواء أبنائه من بعده.
ومن جانب ثالث فقد اُخذ هذا العهد على الإنسان بالفطرة الإلهيّة للناس على التوحيد، وإنحصار الطاعة في الله سبحانه، وبهذا لم تتحقّق التوصية الإلهية هذه بلسان واحد، بل بعدّة ألسنة وأساليب، واُمضي هذا العهد والميثاق.
والجدير بالملاحظة أيضاً أنّ (العبادة) الواردة الإشارة إليها في جملة (لا تعبدوا الشيطان) بمعنى (الطاعة)، لأنّ العبادة لا تنحصر بمعنى الركوع والسجود فقط، بل إنّ من مصاديقها الطاعة. كما ورد في الآية (47) من سورة (المؤمنون) (أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) وفي الآية (31) من التوبة نقرأ: (اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً).
والجميل أنّه ورد في رواية عن الصادق (ع) تعليقاً على الآية بقوله: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون)(3).
وعن الصادق (ع) أيضاً أنّه قال: (من أطاع رجلا في معصية فقد عبده)(4).
وعن الباقر (ع) أنّه قال: (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدّي عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان)(5).
﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ آمركم على ألسنة رسلي ﴿أن لا تعبدوا الشيطان﴾ لا تطيعوه ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.