وعقوبة مؤلمة اُخرى لهم: انّنا لو أردنا لمسخناهم في مكانهم على شكل تماثيل حجرية فاقدة للروح والحركة، أو على أشكال الحيوانات بحيث لا يستطيعون التقدّم إلى الأمام، ولا الرجوع إلى الخلف: (لو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيّاً ولا يرجعون)(4).
(فاستبقوا الصراط) يمكن أن تكون بمعنى التسابق فيما بينهم للعثور على الطريق الذي يذهبون منه عادةً، أو بمعنى الإنحراف عن الطريق وعدم العثور عليه، على ضوء ما قاله بعض أرباب اللغة من أن (فاستبقوا الصراط) بمعنى (جاوزوه وتركوه حتّى ضلّوا)(5).
وعلى كلّ حال، فطبقاً للتفسير الذي قبل به أغلب المفسّرين الإسلاميين، فإنّ الآيتين أعلاه، تتحدّثان عن عذاب الدنيا، وعن تهديد الكفّار والمجرمين بأنّ الله
سبحانه وتعالى قادر على تعريضهم لمثل هذا العذاب في الدنيا، ولكن للطفه ورحمته فإنّه يمتنع عن ذلك، فقد ينتبه هؤلاء المعاندين ويرجعوا عن غيّهم إلى طريق الحقّ.
ولكن يوجد إحتمال آخر أيضاً، وهو أنّ الآيات تشير إلى العقوبات الإلهيّة في يوم القيامة لا في الدنيا، وفي الحقيقة فهو تعالى بعد أن أشار إلى "الختم على أفواههم" في الآية السابقة، يشير هنا إلى نوعين آخرين من العقوبات التي لو شاء لأجراها عليهم:
الأوّل: الطمس على عيونهم بحيث لا يمكنهم رؤية "الصراط" أي طريق الجنّة.
الثاني: أنّ هؤلاء الأفراد بعد أن كانوا فاقدين للحركة في طريق السعادة فإنّهم يتحوّلون إلى تماثيل ميتة في ذلك اليوم ويظلّون حيارى في مشهد المحشر، وليس لهم طريق للتقدّم أو للتراجع، إنّ تناسب الآيات- طبعاً- يؤيّد هذا التّفسير الأخير، وإن كان أكثر المفسّرين قد اتّفقوا على قبول التّفسير السابق(6).
﴿وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ﴾ قردة وخنازير أو حجارة ﴿عَلَى مَكَانَتِهِمْ﴾ مكانهم لا يبرحونه ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ﴾ لا يقدرون على ذهاب ولا مجيء.