التّفسير
حفظ السماء من تسلّل الشياطين!
الآيات السابقة تحدّثت عن طوائف الملائكة المكلّفة بتنفيذ المهام الجسام، والآيات التالية- موضوع البحث- ستتحدّث عن الطائفة المقابلة لها، أي الشياطين وعن مصيرهم. ويمكن أن تكون هذه الآيات مقدّمة لدحض معتقدات مجموعة من المشركين الذين يعبدون الشياطين والجنّ، وتتضمّن كذلك درساً في التوحيد بين طيّاتها.
تبدأ الآية بالقول: (إنّا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب)(1) فلو رفع أحدنا ببصره نحو السماء في إحدى الليالي المظلمة، لتجسّم في بصره منظر جميل يسحر الإنسان.
وكأنّ الكواكب تتحدّث معنا بلسانها الصامت، لتكشف لنا أعن أسرار الخلق، وأحياناً تكون شاعرة تنشد لنا أجمل القصائد الغزلية والعرفانية، وإغماضها وتواريها، ومن ثمّ إبراقها ولمعانها، يوضّح أسرار العلاقة الموجودة بين العاشق والمعشوق.
حقّاً إنّ منظر النجوم في السماء رائع الجمال، ولا تملّ أيّ عين من طول النظر إليه، بل إنّ النظر إليه يزيل التعب والهمّ من داخل الإنسان. (ممّا يذكر أنّ أبناء المدن في العصر الحاضر التي يغطّيها دخّان المصانع، لا يستمتعون بمشاهدة السماء وهي مرصّعة بالكواكب كما يشاهدها الإنسان القروي حيث يدركون هذه المقولة القرآنية- أي تزيين السماء بالكواكب- بصورة أفضل).
ومن الجدير بالإهتمام قول الآية: (إنّا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب) في حين كانت الفرضيات الشائعة في ذلك الوقت في أذهان العلماء والمفكّرين هي أنّ السماء العليا هي التي تضمّ الكواكب (السماء الثامنة طبقاً لفرضيات بطليموس).
وكما هو معروف فإنّ العلم الحديث دحض تلك الفرضيات. وعدم اتّباع القرآن لما جاء في تلك الفرضيات النادرة والمشهورة في ذلك الزمان معجزة حيّة لهذا الكتاب السماوي.
والنقطة الاُخرى التي تلفت النظر هي أنّ إرتعاش نور الكواكب الجميل وغمزها للناظر يعود- من وجهة نظر العلم الحديث- إلى وجود القشرة الهوائية حول الأرض، وهذا المعنى يتلاءم مع ما نصّت عليه الآية الكريمة (السماء الدنيا).
أمّا في خارج جو الأرض فإنّ النجوم تبدو نقاط منيرة على وتيرة واحدة وليس لها ذلك التلألؤ، على عكس ما يشاهد داخل جوّ الأرض.
﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا﴾ القريبة منكم ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ بضوئها أو بها والإضافة بيانية.