التّفسير
الذين لا يقبلون الحقّ أبداً:
هذه الآيات تعالج قضيّة منكري البعث، وتتابع البحث السابق بشأن قدرة الباري عزّوجلّ خالق السموات والأرض، وتبدأ بالإستفسار منهم وتقول: اسألهم هل أنّ معادهم وخلقهم مرّة ثانية أصعب أو خلق الملائكة والسماوات والأرض: (فإستفتهم أهم أشدّ خلقاً أم من خلقنا).
نعم، فنحن خلقناهم من مادّة تافهة، من طين لزج: (إنّا خلقناهم من طين لازب).
فالمشركون الذين ينكرون المعاد، قالوا بعد سماعهم الآيات السابقة بشأن خلق السموات والأرض والملائكة. إنّ خلق الإنسان أصعب من خلق السموات والأرض والملائكة. إلاّ أنّ القرآن الكريم أجابهم بالقول: إنّ خلق الإنسان مقابل خلق الأرض والسماء والملائكة الموجودة في هذه العوالم، يعدّ لا شيء، لأنّ أصل الإنسان يعود إلى حفنة من التراب اللزج.
"إستفتهم" من مادّة "استفتاء" وتعني الحصول على معلومات جديدة.
وهذا التعبير إشارة إلى أنّ المشركين لو كانوا صادقين في أنّ خلقهم أهمّ وأصعب من خلق السماوات والملائكة، فإنّهم قد جاؤوا بموضوع جديد لم يطرح مثله من قبل.
"لازب" يقول البعض: إنّ أصلها كان (لازم)، حيث إستبدلت (الميم) (باءً) وحالياً تستعمل بهذه الصورة، على أيّة حال فهي تعني الطين المتلازم بعضه ببعض، يعني الملتصق لأنّ أصل الإنسان كان من التراب الذي خلط بالماء، وبعد فترة أضحى طيناً متجمّعاً ذا رائحة نتنة، ثمّ تحول إلى طين متماسك (وهذه الصورة هي جمع لحالات متعدّدة مذكورة في عدّة آيات في القرآن المجيد).
﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ سل قومك محاجة ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ من الملائكة والسموات والأرض وما فيهما أو قبلهم من الأمم ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ﴾ ملتصق.