أمّا آخر آية في بحثنا فإنّها تستثني جماعة من العذاب الإلهي (إلاّ عباد الله المخلصين).
الملاحظ أنّ هذه الآية تشير إلى عاقبة هذه الاُمم، وتدعو إلى التمّعن في العذاب الأليم الذي ابتلوا به، والذي أهلكهم وأبادهم جميعاً ما عدا عباد الله المؤمنين والمخلصين الذين نجوا من هذا العذاب(1).
وجدير بالذكر أنّ كلمة (المخلصين)- بفتح اللام- كرّرت خمس مرّات، وهذا بيان لعلو منزلتهم ومرتبتهم، وكما أشرنا سابقاً فإنّ عباد الله المخلصين هم الصفوة التي تسلّحت بالعلم والإيمان، وإنتصرت على النفس بعد مجاهدتها، وهم الذين أخلصهم الله لنفسه وأزال عنهم الشوائب ليجعلهم خالصين، ولهذا فإنّهم يمتلكون الحصانة الكاملة تجاه الإنحرافات والزلل.
والشيطان عاجز وآيس من النفوذ إلى داخلهم، إذ قطع عليه الطريق المؤدّي إليهم منذ اليوم الأوّل، وإعترف هو بعجزه هذا.
كذلك فإنّ فتن المجتمع الذي يعيشون فيه ووساوس الغاوين، إضافة إلى وجود المتّبعين لنهج آبائهم وأجدادهم الأوّلين، والثقافة الخاطئة والطاغوتية، لا تؤثّر أبداً على عباد الله المخلصين ولا تحرفهم عن مسيرتهم.
حقيقة الأمر، أنّ هذه الآية هي خطاب إطمئنان لمؤمني مكّة المقاومين والصامدين في ذلك الوقت، وإنّها دعوة لمسلمي عالم اليوم المليء بالفتن، تدعوهم إلى الإنفصال عن صفوف أعداء الله والإنضمام إلى عباد الله المخلصين.
﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ دينهم لله.