التّفسير
إبراهيم عند المذبح:
بحثنا في الآيات السابقة إنتهى عند هجرة إبراهيم (ع) من بابل بعد أن أدّى رسالته هناك، وطلبه من الله أن يرزقه ولداً صالحاً، إذ لم يكن له ولد.
وأوّل آية في هذا البحث تتحدّث عن الإستجابة لدعاء إبراهيم، إذ قالت الآية: (فبشّرناه بغلام حليم).
في الواقع إنّ ثلاثة بشائر جمعت في هذه الآية، الاُولى أنّه سيرزق طفلا ذكراً، والثانية أنّ هذا الطفل يبلغ سنّ الفتوّة، أمّا الثالثة فهي أنّ صفته حليم.
وكلمة (حليم) تعني الذي لا يعجّل في الأمر قبل وقته مع القدرة عليه، وقيل: الذي لا يعجّل بالعقوبة، والذي له روح كبيرة وهو متسلّط على أحاسيسه.
ويرى "الراغب" في مفرداته أنّ كلمة حليم تعني الضابط نفسه في لحظة الإثارة والغضب، وبسبب كون هذه الحالة تنشأ من العقل والإدراك، فإنّ كلمة وعكس تعني- أحياناً- العقل والإدراك.
ولكنم المعنى الحقيقي لكلمة حليم هو المعنى الأوّل الذي ذكرناه.
ويمكن الإستفادة من هذا الوصف في أنّ الله بشّر عبده إبراهيم في أنّه سيعطي إبنه إسماعيل عمراً يمكن وصفه فيه بالحليم، كما أنّ الآيات التالية ستوضّح أنّ إسماعيل بيّن مرتبة حلمه أثناء قضيّة الذبح، مثلما وضّح أبوه إبراهيم حلمه في أثناء قضيّة الذبح، وأثناء إحراقه بالنار.
وكلمة (حليم) كرّرت (15) مرّة في القرآن المجيد، وأغلبها وردت وصفاً لله، عدا ثلاث موارد جاءت في وصف إبراهيم وإبنه إسماعيل من قبل القرآن الكريم، والثالثة جاءت في وصف شعيب وعلى لسان الآخرين.
وكلمة (غلام) حسب إعتقاد البعض تطلق على كلّ طفل لم يصل بعد مرحلة الشباب، والبعض يطلقها على الطفل الذي إجتاز عمره العشر سنوات ولم يصل بعد إلى سنّ البلوغ.
ويمكن الإستفادة من العبارات المختلفة الواردة بلغة العرب في أنّ كلمة (غلام) تطلق على الذكر الذي إجتاز مرحلة الطفولة ولم يصل بعد إلى مرحلة الشباب.
﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ يكون حليما وأي حليم حيث عرض عليه الذبح فقبل.