وقال القرآن الكريم: (فالتقمه الحوت وهو مليم) أي إنّ حوتاً عظيماً التقمه وهو مستحقّ للملامة.
"التقم" مشتقّة من (الإلتقام) وتعني (البلع).
(مليم) من مادّة (لوم) وتعني التوبيخ والعتب (وعندما تأتي بصفة الفعل فإنّها تعطي معنى إستحقاق الملامة).
ومن المسلّم أنّ هذه الملامة لم تكن بسبب إرتكابه ذنباً كبيراً أو صغيراً وإنّما بسبب تركه العمل بالأولى، وإستعجاله في ترك قومه وهجرانهم.
وبعد بلعه من قبل الحوت أعطى الله سبحانه وتعالى أمراً تكوينياً إلى الحوت أن لا تلحق الأذى بيونس، إذ أنّ عليه أن يقضي فترة في السجن الذي لم يسبق له مثيل، كي يدرك تركه العمل بالأولى، ويسعى لإصلاحه.
وورد في إحدى الرّوايات أنّ "أوحى الله إلى الحوت: لا تكسر منه عظماً ولا تقطع له وصلا"(2).
يونس (ع) إنتبه بسرعة للحادث، وتوجّه على الفور إلى الله سبحانه وتعالى وتكامل وجوده مستغفراً الله على تركه العمل بالأولى، وطالباً العفو منه.
ونقلت الآية (87) في سورة الأنبياء صورة توجّه يونس (ع) بالدعاء الذي يسمّيه أهل العرفان باليونسية، قال تعالى: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين).
أي إنّه نادى من بطن الحوت بأن لا معبود سواك، وأنّني كنت من الظالمين، إذ ظلمت نفسي وإبتعدت عن باب رحمتك.
إعتراف يونس الخالص بالظلم، وتسبيحه الله المرافق للندم أدّى مفعوله، إذ إستجاب الله له وأنقذه من الغمّ، كما جاء في الآية (88) من سورة الأنبياء، (فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين).
﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ﴾ ابتلعه ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ آت بما يلام عليه من ترك الأولى بذهابه بلا إذن من ربه.