لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتواصل الآية التالية إستعراض نعم الله على داود (ع)، قال تعالى: (وشددنا ملكه) أي ثبّتنا وأحكمنا مملكته، بحيث كان العصاة والطغاة من أعدائه يحسبون لمملكته ألف حساب لقوّتها. وإضافة إلى هذا فقد آتيناه الحكمة والعلم والمعرفة (وآتيناه الحكمة) الحكمة التي يقول بشأنها القرآن المجيد (ومن يؤت الحكمة فقد اُوتي خيراً كثيراً). (الحكمة) هنا تعني العلم والمعرفة وحسن تدبير اُمور البلاد، أو مقام النبوّة، أو جميعها. وقد تكون "الحكمة" أحياناً ذات جانب علمي ويعبّر عنها بـ "المعارف العالية"، واُخرى لها جانب عملي ويعبّر عنها (بالأخلاق والعمل الصالح) وقد كان لداود في جميعها باع طويل. وآخر نعمة إلهيّة أُنعمت على داود هي تمكّنه من القضاء والحكم بصورة صحيحة وعادلة (وفصل الخطاب). وقد إستخدمت عبارة (فصل الخطاب) لأنّ كلمة "الخطاب" تعني أقوال طرفي النزاع، أمّا (فصل) فإنّها تعني القطع والفصل. وكما هو معروف فإنّ أقوال طرفي النزاع لا تقطع إلاّ إذا حكم بينهم بالعدل، ولهذا فإنّ العبارة هذه تعني قضائه بالعدل. وهناك إحتمال آخر لتفسير هذه العبارة، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى داود منطقاً قويّاً يدلّل على سمو وعمق تفكيره، ولم يكن هذا خاصّاً بالقضاء وحسب، بل في كلّ أحاديثه. حقّاً، ليس من المفروض أن ييأس أحد من لطف الله، الله الذي يستطيع أن يعطي الإنسان اللائق والمناسب كلّ تلك القوّة والقدرة. وهذه ليست مواساة للنبي الأكرم والمؤمنين في مكّة الذين كانوا يعيشون في تلك الأيّام تحت أصعب الظروف وأشدّها، بل مواساة لكلّ المؤمنين المضطهدين في كلّ مكان وزمان. بحث الصفات العشر لداود (ع): ذكر بعض المفسّرين من الآيات محلّ البحث عشر مواهب إلهيّة عظيمة كانت لداود (ع) تعكس مقام هذا النّبي ومنزلته العظيمة من جهة، وتعكس خصائص الإنسان الكامل من جهة اُخرى: 1- الله سبحانه وتعالى يأمر نبي الإسلام والرحمة محمّد (ص) رغم مكانته العالية بأن يتّخذ من داود اُسوة له في تحمّل الصبر (اصبر على ما يقولون واذكر). 2- القرآن وصف داود بالعبد، وفي الحقيقة أنّ أهمّ خصوصية لداود هي عبوديته لله، قال تعالى: (عبدنا داود) ونقرأ شبيه هذا المعنى بشأن رسول الله(ص)في مسألة المعراج (سبحان الذي أسرى بعبده ...) (الإسراء- 1). 3- إمتلاكه للقدرة والقوّة (في طاعة الباري عزّوجلّ والإحتراز عن إرتكاب المعاصي وحسن تدبيره لشؤون مملكته) (ذا الأيد) وجاءت أيضاً بشأن رسول الله (ص) (هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين).(3) 4- وصفه بالأوّاب، وتعني رجوعه المتكرّر والمستمر إلى الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (إنّه أوّاب). 5- تسخير الجبال معه لتسبّح في الصباح والمساء، وهذا الأمر يعدّ من مفاخره، قال تعالى: (إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيّ والإشراق). 6- مناجاة الطيور وتسبيحها الله مع داود، وهذه من النعم التي أنعمها الله على داود، قال تعالى: (والطير محشورة). 7- إستمرار الجبال والطيور في التسبيح مع داود، وكلّ مرّة يسبّح فيها تعود وتسبّح معه، قال تعالى: (كلّ له أوّاب). 8- أعطاه الله الملك والحكومة التي اُحكمت اُسسها، إضافةً إلى وضع كلّ الوسائل الماديّة والمعنوية التي يحتاجها تحت تصرّفه (وشددنا ملكه). 9- منحه ثروة مهمّة اُخرى، وهي العلم والمعرفة التي تفوق الحدّ الطبيعي، العلم والمعرفة التي هي منبع خير كثير ومصدر كلّ بركة وإحسان أينما كانت، قال تعالى: (وآتيناه الحكمة). 10- وأخيراً فقد منّ الله عليه بمنطق قوي وحديث مؤثّر ونافذ، وقدرة كبيرة على القضاء والتحكيم بصورة حازمة وعادلة، قال تعالى: (وفصل الخطاب)(4). حقّاً إنّ اُسس أي حكومة لا يمكن أن تصبح محكمة بدون هذه الصفات، العلم والمنطق وتقوى الله، والقدرة على ضبط النفس، ونيل مقام العبودية لله. ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ قويناه بإلهيته والجنود كان يحرس محرابه كل ليلة ثلاثون ألف رجل ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾ النبوة والإصابة في الأمور ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ الكلام البين الدال على المقصود بلا التباس أو القضاء بالبينة واليمين أو قيل أما بعد وهو أول من تكلم بها