على أيّة حال، فرغم أنّ داود (ع) كان محاطاً بأعداد كبيرة من الجند والحرس، إلاّ أنّ طرفي النزاع تمكّنا- من طريق غير مألوف- تسوّر جدران المحراب، والظهور أمام داود (ع) فجأةً، ففزع عند رؤيتهما، إذ دخلا عليه بدون إستئذان ومن دون إعلام مسبق، وظنّ داود (ع) أنّهم يكنّون له السوء، (إذ دخلوا على داود ففزع منهم).
إلاّ أنّهما عمدا بسرعة إلى تطييب نفسه وإسكان روعه، وقالا له: لا تخف نحن متخاصمان تجاوز أحدنا على الآخر (قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض).
فاحكم الآن بيننا ولا تتحيّز في حكمك وأرشدنا إلى الطريق الصحيح (فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط).
"تشطط" مشتقّة من (شطط) على وزن (فقط)، وتعني البعيد جدّاً، ولكون الظلم والطغيان يبعدان الإنسان كثيراً عن الحقّ، فكلمة (شطط) تعني الإبتعاد عن الحقّ، كما تطلق على الكلام البعيد عن الحقيقة.
من المسلّم به أنّ قلق وروع "داود" قلّ بعض الشيء عندما وضّح الأخوان هدف مجيئهما إليه، ولكن بقي هناك سؤال واحد في ذهنه هو، إذا كنتما لا تكنّان السوء، فما هو الهدف من ميجئكما إليّ عن طريق غير مألوف؟
﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ﴾ لدخولهم عليه في يوم احتجابه بلا إذن من غير الباب ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ﴾ نحن فريقان متخاصمان ﴿بَغَى﴾ تعدى ﴿بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ﴾ تجر في الحكم ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ﴾ وسطه أي العدل.