وأمّا في المرحلة الرابعة والأخيرة، فإنّه يهدّد المعارضين والمخالفين بعبارة قصيرة غزيرة المعنى: (ولتعلمنّ نبأه بعد حين).
يقول: من الممكن أن لا تأخذوا هذا الكلام مأخذ الجدّ، وتمرّون به مرّ الكرام، إلاّ أنّه سيثبت لكم عاجلا صدق كلامي، سيثبت في هذا العالم في ساحات قتال الإسلام ضدّ الكفر، وفي ساحات العمل الإجتماعي والفكري، وفي العالم الآخر بواسطة العذاب الإلهي الأليم الذي ستعذّبون به، خلاصة الأمر أنّ السوط الإلهي مهيّأ للنزول على المستكبرين والظالمين.
ملاحظة
من هو المتكلّف؟
قرأنا في الآيات المذكورة أعلاه أنّ إحدى مفاخر رسولنا الأكرم (ص) أنّه غير متكلّف، وفي الروايات الإسلامية المزيد من الأبحاث التي توضّح علامات المتصنّع والمتظاهر بما ليس فيه، ومنها:
ورد حديث في (جوامع الجامع) عن رسول الله (ص)، قال فيه: "للمتكلّف ثلاث علامات: ينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال، ويقول ما لا يعلم"(2)!
وروي مثله في الخصال عن الصادق (ع) عن لقمان في وصيته لإبنه.
كما ورد حديث آخر وهو من وصايا الرّسول الأكرم (ص) لأمير المؤمنين (ع)"للمتكلّف ثلاث علامات: يتملّق إذا حضر، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة"(3).
إضافة إلى ذلك روي حديث عن الإمام الصادق (ع)، جاء فيه: "المتكلّف مخطىء وإن أصاب، والمتكلّف لا يستجلب في عاقبة أمره إلاّ الهوان، وفي الوقت إلاّ التعب والعناء والشقاء، والمتكلّف ظاهره رياء وباطنه نفاق، وهما جناحان بهما يطير المتكلّف، وليس في الجملة من أخلاق الصالحين، ولا من شعار المتّقين المتكلّف في أي باب، كما قال الله تعالى لنبيّه قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلّفين"(4).
من مجموع هذه الرّوايات يتّضح- بصورة جيّدة- أنّ المتكلّفين خارجون عن جادّة الحقّ والعدالة والصدق والأمانة، وأنّهم لا يرون الحقائق أمام أعينهم، ويتشبّثون بالأوهام والخيال، ينبّئوون باُمور ليسوا على إطّلاع بها، ويتدخّلون باُمور لا يعرفونها، لهم ظاهر وباطن، وحضورهم وغيابهم متضادّ، يتعبون أنفسهم ويجهدونها، ولكنّهم لا يحصدون سوى الخيبة والخسران، أمّا المتّقون والصالحون فإنّهم مطهّرون من هذه الصفة ومنزّهون عنها.
إلهي! وفّقنا لتطهير أنفسنا من كلّ آثار التكلّف والنفاق والتمرّد والطغيان.
إلهي! إجعلنا في صفوف المخلصين الذين يستظلّون بظلّ حمايتك وحفظك، والذين يئس الشيطان منهم.
إلهي! ارزقنا اليقظة والذكاء، كي نسارع في إحياء محتوى هذا القرآن الكبير، وتعبئة كافّة القوى الإسلامية في أنحاء العالم، ونسير في طريقك بقلب ولسان واحد، لكسر شوكة أعداء الحقّ والحقيقة.
آمين ياربّ العالمين
إنتهت سورة (ص)
﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ﴾ خبر صدقه ﴿بَعْدَ حِينٍ﴾ بعد الموت أو يوم القيامة