لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير سلامة المجتمع ترتبط بسلامة الإِقتصاد: الآية الأُولى من هاتين الآيتين تشكل - في الحقيقة - القاعدة الأساسية للقوانين الإِسلامية في مجال المسائل المتعلقة "بالمعاملات والمبادلات المالية" ولهذا يستدلّ بها فقهاء الإِسلام في جميع أبواب المعاملات والمبادلات المالية. إِنّ هذه الآية تخاطب المؤمنين بقولها: (يا أيّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وهذا يعني أنّ أي تصرف في أموال الغير بدون حق أو بدون أي مبرر منطقي ومعقول، ممنوع ومحرم من وجهة نظر الإِسلام، فقد أدرج الإِسلام كل هذه الأمور تحت عنوان "الباطل" الذي له مفهوم واسع وكبير. والباطل كما نعلم يقابل "الحقّ" وهو شامل لكل ما ليس بحقّ وكلّ ما لا هدف له ولا أساس. وفي آيات أُخرى من القرآن الكريم أكّد هذا المعنى بعبارات شبيهة بالعبارة المذكورة في الآية الحاضرة، فعندما يشنع على اليهود ويذكر أعمالهم القبيحة يقول: (وأكلهم أموال الناس بالباطل)(1) ويقول في الآية (188) من سورة البقرة (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) كمقدمة للنهي عن جر الناس إِلى المحاكم وأكل أموالهم بحجج واهية غير منطقية. وعلى هذا الأساس يندرج تحت هذا العنوان الكلي كل لون من ألوان العدوان، والغش، وجميع المعاملات الرّبوية، والمعاملات المجهولة الخصوصيات تماماً، وتعاطي البضائع التي لا فائدة فيها بحكم العقلاء، والتجارة بأدوات اللهو والفساد والمعصية وما شاكل ذلك. وتفسير بعض الروايات كلمة "الباطل" بالقمار والرّبا وما شابه ذلك إِنّما هو في الحقيقة من باب ذكر المصاديق الواضحة لهذا المفهوم، وليس من باب الحصر والقصر. ولعلّنا لا نحتاج إِلى التذكير بأنّ التعبير بـ "الأكل" كناية عن كل تصرف، سواء تمّ بصورة الأكل المتعارف أو اللبس، أو السكنى أو غير ذلك، تعبير رائج في اللغة العربية وغير العربية، غير غريب على الإِستعمال. ثمّ إِنّ الله سبحانه يقول معقباً على العبارات السابقة: (إِلاّ أن تكون تجارة عن تراض). وهذه العبارة استثناء من القانون الكلي، وهو بحسب الإِصطلاح "استثناء منقطع"(2) وهو يعني إِن ما جاء في هذا العبارة لم يكن مشمو للحكم السابق من الأساس، بل قد ذكر تأكيداً وتذكيراً، فهو في حدّ ذاته قانون كلي، وضابطة عامّة برأسها، لأنّه يقول: إِلاّ أن يكون التصرف في أموال الآخرين بسبب التجارة الحاصلة في ما بينكم، والتي تكون عن رضا الطرفين. فبناء على هذا تكون جميع أنواع المعاملات المالية والتبادل التجاري الرائج بين الناس - في ما إذا تمّ برضا الطرفين وكان له وجه معقول - أمراً جائزاً من وجهة نظر الإِسلام (إِلاّ الموارد التي ورد فيها نهي صريح لمصالح خاصّة). ثمّ أنّه تعالى ينهى في ذيل هذه الآية عن قتل الإِنسان لنفسه إِذ يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم) وظاهر هذه الجملة بقرينة قوله: (إِنّ الله كان بكم رحيماً) النهي عن الإِنتحار، يعني أنّ الله الرحيم كما لا يرضى بأن تقتلوا أحداً، كذلك لا يسمح لكم ولا يرضى بأن تقتلوا أنفسكم بأيديكم، وقد فسّرت الآية الحاضرة في روايات أهل البيت(عليهم السلام) بالانتحار أيضاً(3). وهنا يطرح سؤال وهو: أي ارتباط بين مسألة قتل الإِنسان لنفسه، و"التصرف الباطل في أموال الناس"؟ إنّ الجواب على هذا السؤال واضح تماماً، وفي الحقيقة يشير القرآن بذكر هذين الحكمين بصورة متتالية إِلى نكتة إجتماعية مهمّة، وهي أنّ العلاقات الإِقتصادية في المجتمع إِذا لم تكن قائمة على أساس صحيح، ولم يتقدم الإِقتصاد الإِجتماعي في الطريق السليم، ووقع الظلم والتصرف العدواني في أموال الغير أصيب المجتمع بنوع من الإِنتحار، وآل الأمر إِلى تصاعد حالات الإِنتحار الفردي مضافاً إِلى الإِنتحار الجماعي الذي هو من آثار الإِنتحار الفردي ضمناً. إِنّ الحوادث والثورات التي تقع في المجتمعات العالمية المعاصرة خير شاهد وأفضل دليل على هذه الحقيقة، وحيث أنّ الله لطيف بعباده رحيم بخلقه فقد أنذرهم وحذرهم من مغبة الأمر، وحثّهم على تجنب المبادلات الإِقتصادية المالية الغير الصحيحة، وأخطرهم بأن الإِقتصاد المريض يؤدي بالمجتمع إِلى السقوط والإِنهيار، والفناء والإِندحار. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ بما لم يبحه الشرع أو بما حرمه كالربا والقمار والنجش والظلم ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾ منقطع أي ولكن كون تجارة صادرة عن تراض المتبايعين غير منهي عنه وقيل أريد بالمنهي عنه صرف المال فيما لا يرضاه الله وبالتجارة صرفه فيما يرضاه وقرىء بنصب التجارة أي إلا أن تكون التجارة تجارة وبرفعها ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.