لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولبعث السرور في قلب رسول الله (ص) ولزيادة الأمل في قلوب المؤمنين، جاء في آخر الآية: (لكن الذين اتقوا ربّهم لهم غرف من فوقها غرف). فإن كان أهل جهنم مستقرين في ظلل من النّار، كما ورد في الآية السابقة: (لهم من فوقهم ظلل من النّار ومن تحتهم ظلل) فإنّ لأهل الجنّة غرفاً من فوقها غرف اُخرى، وقصور فوقها قصور اُخرى، لأنّ منظر الورود والماء والأنهار والبساتين من فوق الغرف يبعث على اللذة والبهجة بشكل أكثر. "غرف" جمع "غرفة"من مادة "غرف" وعلى وزن حرف - بمعنى تناول الشيء ولذا يطلق على من يتناول الماء بكفه ليشربه "غرفة" ثمّ اطلقت على الطبقات العليا من المنازل. وكشفت الآية أيضاً عن أن غرف أهل الجنّة الجميلة قد زينت بأنهار تجري من تحتها (تجري من تحتها الأنهار) نعم، هذا وعد الله (وعد الله لا يخلف الله الميعاد)(5). بحوث 1 - منطق حرية التفكير في الإسلام الكثير من المذاهب الوضعية تنصح أتباعها بعدم مطالعة ومناقشة مواضيع و آراء بقية المذاهب، إذ أنّهم يخافون من أن تكون حجّة الأُخرين أقوى من حجّتهم الضعيفة وبالتالي فقدان اتباعهم. إلاّ أنّ الإسلام - شاهدنا في الآيات المذكورة أعلاه - ينتهج سياسة الأبواب المفتوحة في هذا المجال، إذ يعتبر المحققين هم عباد الله الحقيقيين الذين لا يرهبون سماع أراء الأُخرين، ولا يستسلمون لشيء من دون أي قيد أو شرط، ولا يتقبلون كلّ وسواس. الإسلام الحنيف يبشّر الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه، الذين لا يكتفون بترجيح الجيد على السيء، وإنّما ينتخبون الأحسن ثمّ الأحسن من كلّ قول ورأي. ويوبّخ - بشدّةـ الجهلة الذين يضعون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم كلما سمعوا صوت الحق، كما ورد في قول نوح(ص) عندما شكى قومه للباريء عزّوجلّ: (و إنّي كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً)(6). واساساً فإنّ المذهب القوي الذي يملك منطقاً قوياً لا يرهب أقوال الأُخرين، ولا يخاف من طرح آراء تلك المذاهب، لأنّه أقوى منها وهي التي ينبغي أن تخافه. هذه الآية وضعت - في نفس الوقت الذين يتبعون أيّ قول يقال لهم من دون أيّ تفكير في مدى صدقه، وحتى أنّهم لا يحققون ولا يبحثون فيه بقدر ما تبحث الأغنام عن الغذاء الجيد في المراعي، وضعتهم خارج صف (أولوا الألباب) والذين (هداهم الله). فهاتان الصفتان تختصّان بالذين لم يبتلوا الإستسلام المفرط من دون أيّ قيد أو شرط، والذين لم يفرطوا في تعصبهم الجاهلي الأعمى. 2 - الردّ على بعض الأسئلة من الممكن أن تطرح على ضوء البحث السابق عدّة أسئلة، منها: 1 - لماذا يمنع الإسلام بيع وشراء كتب الضلال. 2 - لماذا يحرم إعطاء القرآن الكريم بيد الكفار. 3 - كيف يمكن لإنسان ليس له إلمام بموضوع ما أن ينتخب ويميز الجيد من السي، ألا يستلزم هذا المعنى الدور؟ الجواب على السؤال الأوّل واضح، لأنّ البحث المتعلّق بالآيات المذكورة أعلاه يتناول أقوالا يؤمل منها الهداية، ففي أي وقت يتضح بعد البحث والتحقيق أن الكتاب الفلاني هو مضل فإنّه يخرج من هذا الأمر، فالإسلام لا يسمح بأن يسلك الناس في طريق ثبت انحرافه. وبالطبع فإنّه مادام الأمر لم يثبت لأحد، أي ما زال الشخص في حالة التحقيق عن المذاهب الأُخرى لقبول الدين الصحيح، لا بأس بمطالعة كلّ تلك الكتب، ولكن بعد ثبوت ذلك الأمر يجب اعتبارها مادّة سامّة، ويجب إبعادها عن متناول الجميع. أمّا بالنسبة إلى السؤال الثّاني، فإنّه لا يجوز إعطاء القرآن لغير المسلم إن كان ذلك الشخص يهدف إهانة وهتك القرآن، ولكن إن حصل علم بأن ذلك الكافر يفكر حقّاً بالتحقيق في الإسلام من خلال القرآن للوصول إلى هذا الهدف، فإن إعطاء القرآن هنا لا يعدّ أمراً ممنوعاً، بل يعدّ واجباً، والعلماء الذين حرّموا ذلك لا يقصدون هذا المعنى. ولهذا فإنّ الجمعيات الإسلامية الكبيرة تصرّ بشدّة على ترجمة القرآن إلى بقية اللغات الحية في العالم، ليوضع تحت تصرف المتعطشين لمعرفة الحقيقة. وأمّا بشأن السؤال الثّالث، فيجب الإلتفات إلى أنّه في كثير من الأحيان لا يستطيع شخص ما إنجاز عمل ما، ولكن عندما ينجزه الآخرون يتمكن هو من تشخيص الجيد من الرديء في ذلك العمل. وعلى سبيل المثال، من الممكن أن يوجد شخص لا إطلاق له بفنّ الإعمار والبناء حتى أنّه لا يستطيع وضع لبنتين فوق بعضهما البعض بصورة صحيحة، ولكنّه يستطيع تمييز البناء الجيد ذي الكيفية العالية من البناء السىء غير المتناسق، كما أنّ هناك أشخاصاً كثيرين ليسوا بشعراء، إلاّ أنّهم يتمكنون من تقييم أشعار شعراء كبار وتميزها عن الأشعار الفارغة التي ينظمها بعض ناظمي الشعر. هناك أشخاص ليسوا برياضيين ولكنّهم يتمكنون من التحكيم بين الرياضيين، وانتخاب الجيد منهم. 3 - نماذج من الروايات الإسلامية التي تؤّكد على حرية التفكير وردت بعض الأحاديث الإسلامية في تفسير الآيات المذكورة أعلاه، كما وردت أحاديث مستقلة تؤكّد على هذا الموضوع، ومنها ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر(ع)، خاطب فيه أحد أصحابه وهو هشام بن الحكم قائلا: "يا هشام، إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه، فقال (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)"(7). وورد حديث آخر عن الأمام الصادق (ع) في تفسير الآية المذكورة أعلاه، قال فيه: "هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه، لا يزيد فيه ولا ينقص"(8). وبالطبع، فإنّ تفسير (فيتبعون أحسنه) هو المقصود في هذا الحديث، لأن إحدى علامات اتباع القول الحسن، هو أن لا يضيف الإنسان من عنده أي شيء على القول، وينقله ذاته للآخرين. ونقرأ في البلاغة في حقل الكلمات القصار لأمير المؤمنين (ع): (الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق"(9). 4 - سبب النّزول ذكر المفسّرون أسباباً لنزول هذه الآيات، ومنها، أنّ الآية: (و الذين اجتنبوا الطاغوت...) والآية التي تلتها نزلنا بحق ثلاثة أشخاص (لم يستسلموا في عهد الجاهلية لغوغاء المشركين في مكّة) كانو يقولون لا إله إلا الله، والثلاثة هم (سلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وزيد بن عمرو)(10). وقد ورد اسم (سعيد بن زيد) بدلا (زيد بن عمرو) في بعض الرّوايات(11). والبعض الآخر قال: إنّ الآية: (أفمن حق عليه كلمة العذاب...) نزلت بشأن (أبي جهل) وأمثاله(12). وغير مستبعد أن تكون هذه الرّوايات من قبيل تطبيق الآية على المصاديق الواضحة وليس أسباباً للنزول. ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ﴾ تنكيره للتعظيم ﴿مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ﴾ أرفع من الأولى ﴿مَّبْنِيَّةٌ﴾ بناء المنازل التي على الأرض وسويت تسويتها ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ﴾ وعدهم الله ذلك وعدا ﴿لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾.