لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ونقرأ في إحدى الرّوايات أنّ ابن مسعود قال: سئل رسول الله (ص) عن تفسير هذه الآية: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) فقال(ص): "إذا دخل النور في القلب انشرح وانفتح". ثم قلنا: يا رسول الله ما هي علامات انشراح الصدر؟ فقال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجا في عن دار الغرور، والإستعداد للموت قبل نزوله"(4). أمّا علي بن إبراهيم فيقول في تفسيره أن عبارة: (أفمن شرح الله صدره للإسلام) نزلت في حقّ أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب(ع). وقد ورد في تفاسير اُخرى أنّ عبارة: (فويل للقاسية قلوبهم) نزلت بحقّ (أبي لهب وأبنائه)(5). ومن الواضح أنّ أسباب النّزول هنا هي في الحقيقة من باب تطبيق المفهوم العام على المصاديق الواضحة. إنّ ما يلفت النظر في عبارة: (فهو على نور من ربه) أنّ النور والضياء جعل هنا بمثابه مركبة يركبها المؤمنون تفسير بهم بسرعة عجيبة ومسير واضح وقدرة على طواف العالم كلّه. بحث عوامل (شرح الصدر) و (قسوة القلب) الناس ليسوا على وتبرة واحدة من حيث قبول الحق وإدراك الأُمور، فالبعض يتمكّن من إدارك الحقيقة بمجرّد إشارة واحدة أو جملة قصيرة، وهذا يعني أنّ تذكيراً واحداً يكفي لإيقاظهم فوراً، وموعظة واحدة قادرة على إحداث صيحات في أرواحهم وفي حين أنّ البعض الآخر لا يتأثّر بأبلغ الكلمات وأوضح الأدلّة و أقوى العبارات، وهذه المسألة ليست بالأمر السهل أو الهيّن. وكم هي جميلة التعابير القرآنية في هذا المجال، وذلك عندما تصف البعض بأنّهم ذوو صدور منشرحة وأرواح واسعة، وتصف البعض الآخر بأنّهم ذوو صدور ضيفة، كما ورد في الآية (125) من سورة الأنعام: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنّما يصعد في السماء). هذا الموضوع يتّضح بصورة كاملة في حالة دراسة أوضاع وأحوال الأشخاص، فالبعض لهم صدور منشرحة رحبة تتسع لإستيعاب أيّ مقدار من الحقائق، في حين أنّ البعض الآخر على العكس، إذ أنّ صدورهم ضيقة وأفكارهم محدودة لا يمكنها أحياناً استيعاب أيّ حقيقة، وكأن عقولهم محاطة بجدران فولاذية لا يمكن اختراقها. وبالطبع لكلّ واحد منهما أسبابه. فالدراسة الدائمة والمستمرة والإتصال بالعلماء والحكماء الصالحين، وبناء الذات وتهذيب النفس، واجتناب الذنوب وخاصة أكل الطعام الحرام، وذكر الله دائماً، كلها أسباب وعوامل لإنشراح الصدر، وعلى العكس فإنّ الجهل والذنب والعناد والجدل والرياء، ومجالسة أصحاب السوء والفجار والمجرمين وعبيد الدنيا والشهوات، كلّها تؤدّي إلى ضيق الصدر وقساوة القلب. فعندما يقول القرآن الكريم: (فمن يرد الله يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً). فهذه الإرادة وعدم الارادة ليست اعتباطية وبدون دليل. بل هي نابعة من اعماقنا وذواتنا في البداية. وقد ورد حديث عن الإمام الصادق (ع) جاء فيه: "أوحى الله عزّوجلّ إلى موسى: يا موسى لا تفرح بكثره المال، ولا تدع ذكري على كلّ حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب، وإن ترك ذكري يقسي القلوب "(6). وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين (ع)، جاء فيه: "ما جفت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب"(7). كما ورد في حديث ثالث أنّ من جملة كلام الله سبحانه وتعالى مع موسى (ع)"يا موسى لا تطول في الدنيا أملك، فيقسو قلبك، والقاسي القلب مني بعيد"(8). وأخيراً، ورد حديث آخر عن أمير المؤمنين (ع) جاء فيه: "لمتان: لمة من الشيطان ولمة من الملك، فلمّة الملك الرقة والفهم، ولمّة الشيطان السهو والقسوة"(9). على أية حال، فإن من يريد انشراح صدره وإزالة القساوة من قلبه، عليه أن يتوجه نحو الباريء عزّوجلّ كي يبعث الأنوار الإلهية في قلبه كما وعد بذلك الرّسول الأكرم (ص). وعليه أن يصقل مرآة قلبه من صدأ الذنوب، ويطهّر روحه من أوساخ هوى النفس والوساوس الشيطانية، استعداداً لإستقبال المعشوق، وأن يسكب الدموع خوفاً من الله وحباً له، فإنّ في ذلك تأثيراً عجيباً لا نظير له على رقّة ولين القلب ورحابة الروح، وفي المقابل فان جمود العين هو إحدى علامات القلب المتحجر. ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾ وسعه ﴿لِلْإِسْلَامِ﴾ ولقبول الحق ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ أي على يقين وهداية والخبر محذوف أي كمن طبع على قلبه ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ من أجل ذكر الله لأنه إذا ذكر الله عندهم وقرىء عليهم القرآن ازدادت قسوتهم ﴿أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ بين، نزلت الآية في علي (عليه السلام) وحمزة وأبي لهب وولده.