الآية التالية تقارن بين مجموعة من الظالمين والمجرمين، ومجموعة من المؤمنين الذين استتعرضت أوضاعهم فيما قبل، وذلك كي تجعل الحقيقة أكثر وضوحاً في هذه المقارنة، إذ تقول: (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة)(5)كمن هو آمن في ذلك اليوم ولا تمسّه النّار أبداً؟!.
الملاحظة التي ينبغي الإلتفات إليها، هي قوله تعالى: (يتقي بوجه سوء العذاب) وكما هو معروف فإنّ الوجه أشرف أعضاء جسم الإنسان، لأنّ فيه (العينان والفم والأذنان) التي هي أهم حواسّ الإنسان، وأساساً فإنّ تشخيص الإنسان إنّما يتمّ عن طريق وجهه، ولهذاه الخصائص الموجودة في الوجه، فإنّ الإنسان عندما يحسّ أنّ هناك خطراً سيصيب وجهه، فإنّه يضع يديه وما يمكن من أعضاء جسمه أمام وجهه كدرع لدرء ذلك الخطر.
إلا أن أوضاع الظالمين في جهنم في ذلك اليوم تجبرهم على استخدم وجوههم كوسيلة دفاعية، لأنّ أيديهم وأرجلهم مقيدة بالسلاسل، كما ورد في الآية (الثامنة) من سورة يس: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون).
قال البعض: بما أنّ أهل جهنم يرمون على وجوههم في النّار، لذا فإنّ الوجه هو أوّل عضو من أعضا الجسم يحترق في نار جهنم، كما ورد في الآية (90) من سورة النمل: (من جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النّار).
والبعض الآخر قال: إنّ هذه العبارة كناية عن عجز أهل جهنم من الدفاع عن أنفسهم مقابل نار جهنم.
التفاسير الثلاثة - هذه - لا تتعارض مع بعضها، ويمكن أن تعطي جميعها مفهوم الآية.
ثم تضيف نهاية الآية: (وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون).
نعم، إنّ ملائكة العذاب هي التي توضح لهم هذه الحقيقة المرّة والمؤلمة، إذ يقولون لهم: إنّ أعمالكم ستبقى معكم وستعذبكم، وهذا التوضيح هو تعذيب روحي آخر لهؤلاء.
وممّآ يلفت النظر أنّ هذه العبارة لا تقول: ذوقوا عقاب ما كنتم تكسبون، وإنّما تقول لهم: ذوقوا ما كنتم تكسبون، وهذا شاهد آخر على مسألة تجسيد الأعمال يوم القيامة.
﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ﴾ بأن تغل يده إلى عنقه فلا يتقي عن نفسه إلا بوجهه ﴿سُوءَ الْعَذَابِ﴾ شدته ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ كمن أمن منه ﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ﴾ والقائلون خزنة النار ﴿ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ أي وباله أو نفسه بناء على تجسم الأعمال.