الآية الأخيرة في بحثنا هذا تبيّن أنّ عذاب هؤلاء الدنيوي لا يقتصر على العذاب الجسدي، وإنّما يشتمل أيضاً على عقوبات نفسية: (فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا)(6).
نعم، فإن أُصيب الإنسان بمصيبة في هذه الدنيا، ثمّ خرج منها مرفوع الرأس حافظاً لماء وجهه، فهذه الحالة ليست بعار وخزي على الإنسان، إنّما العار والخزي للإنسان الذي يخرج من هذه الدنيا رذيلا وذليلا، ومبتلىً بعذاب فاضح يريق ماء وجهه، (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون).
كلمة (أكبر) كناية عن شدّة العذاب وقسوته.
بحث
وردت عدّة روايات في ذيل الايات مورد البحث تجسّم أمامنا آفاقاً أوسع مهما يفهم من الآية.
إذ نقل العباس عم النّبي، حديثاً عن رسول الله (ص)جاء فى، "إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها"(7). ومن الواضح أن الشخص الذي يخشى الله ويتأثر من ذلك الى هذه الدرجة لابدّ أن تتوفر فيه حالة التوبة والانابة، ومثل هذا الشخص سيكون مورداً لعفو الله ومغفرته حتماً.
وروي عن (أسماء) إذ قالت عندما سئلت عن أصحاب رسول الله فقالت: (كان أصحاب النّبي حقاً إذا قرىء عليهم القرآن - كما نعتهم الله - تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم). وأضاف الراوي: سئلت أسماء: هل عندنا أحد يغمى عليه أو يفقد الوعي عندما يسمع آيات القرآن المجيد، فأجابت أسماء: أعوذ بالله تعالى من الشطان، (أي إنّه من عمل الشيطان)(8).
هذا الحديث - في الحقيقة - جواب لأُولئك المتصوفة الذين يعقدون الإجتماعات والحلقات، ويقرأون فيها بعض الآيات والأذكار، ثمّ يقومون ببعض الحركات بعنوان حالة الوجد والسرور، ثمّ يشرعون بإطلاق بعض الصيحات وإظهار أنفسهم وكأنّهم قد أُغشي عليهم، ويحتمل أن البعض يغشى عليه فعلا. مثل هذه الأُمور لم ينقلها أحد أبداً بشأن أصحاب الرّسول، وما هي إلاّ بدعة ابتدعها المتصوفة.
وبالطبع يمكن أن يندهش الإنسان أحياناً وقد يغشى عليه من شدّة خوفه من الباريء عزّوجلّ، وهذا الأمر يختلف كثيراً عن ممارست الصوفيين الذين يعقدون الحلقات للذكر التي ذكرناها آنفاً.
﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ﴾ الذل كالمسخ والقتل ونحوهما ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ أعظم وأدوم ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك بالنظر لاتعظوا به.