ثم ينتقل البحث إلى محكمة يوم القيامة، ليجسم المجادلة بين العباد في ساحة المحشر، (ثم إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون).
"تختصمون": مشتقّة من (اختصام) وتعني النزاع والجدال بين شخصين أو مجموعتين تحاول كل، منهما تفنيد كلام الأخر، فأحياناً يكون أحدهم على حقّ والآخر على باطل، وأحياناً يكون الاثنان على باطل، كما في مجادلة ومخاصمة أهل النّار فيما بينهم، وقد اختلف المفسّرون في كون هذا الحكم عاماً أم لا.
قال البعض: إنّ المخاصمة تقع بين المسلمين والكفار.
وقال البعض الآخر: إنّها تقع بين المسلمين أنفسهم،وفي رواية عن أبي سعيد الخدري قال: لم يكن أحد فينا يفكر في أن يقع خصام فيما بين المسلمين، وكنّا نقول: كيف نختصم نحن وربّنا واحد، ونبيّنا واحد وديننا واحد؟ فلما كان يوم صفين وشدّ الفريقان الذين كانا مسلمين (حيث كان أحدهما مسلماً حقيقياً والآخر يدعي الإسلام) بالسيوف على بعضهما البعض، قلنا: نعم، الآية تشملنا نحن أيضاً(8).
ولكن الآيات التالية تبيّن أنّ المخاصمة تقع بين الأنبياء والمؤمنين من جهة، والمشركين المكذبين من جهة اُخرى.
لمّا توفّي رسول الله (ص) قام عمر بن الخطاب; فقال: إنّ رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله قد توفّي والله رسول اللّه ما مات، ولكنّه ذهب الى ربّه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثمّ رجع إليهم بعد أن قيل قد مات; ووالله ليرجعنّ رسول الله(ص) كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنّ رسول الله (ص) مات؟.
وقال الرّاوي: وأقبل أبوبكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلّم الناس، فلم يلفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله(ص) في بيت عائشة، ورسول الله(ص) مسجّى في ناحية البيت، عليه بُرد حبرة؟، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله(ص) ثمّ قال الراوي: قال أبوبكر: على رسلك يا عمر أنصت فأبى إلاّ أن يتكلم ثمّ تلا أبوبكر هذه الآية: (وما محمد إلاّ رسول).
قال الرّاوي: فوالله لكأنّ الناس يعلموا أنّ هذه الآية ما نزلت حتى تلا أبو بكر ثمّ قال عمر: والله ما هو إلاّ أن سمعت أبابكر تلاها فعفرت(9) حتى وقعت إلى الارض ما تحملني رجلاي(10).
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ تحتج عليهم بأنك قد بلغت وأنهم كذبوا ويعتذرون بما لا يجدي أو أريد تخاصم الناس فيما بينهم من المظالم.