سبب النّزول
الكثير من المفسّرين قالوا: إنّ مشركي قريش كانوا يخوفون رسول الله (ص)من آلهتهم ويحذرونه من غضبها على أثر وصفه تلك الأوثان بأوصاف مزرية، ويوعدونه بأنّه إن لم يسكت عنها فستصيبه بالأذى، وللرد على كلامهم نزلت الآية المذكورة أعلاه(1).
والبعض قال: عندما عزم خالد على كسر العزى بأمر من النّبي(ص) قال المشركون: إياك يا خالد فبأسها شديد. فضرب خالد أنفها بالفأس وهشمها وقال: كفرانك يا عزى لا سبحانك، سبحان من أهانك، إنّي رأيت الله قد أهانك(2).
ولكن قصة خالد هذه التي كانت بعد فتح مكّة كما يبدو، لا يمكن أن تكون سبباً لنزول الآية لأنّ كلّ سورة الزمر (مكية) ولهذا لعلها من قبيل التطابق.
التّفسير
إن الله كاف!
تتمة لتهديدات الباريء عزّو جلّ التي وردت في الآيات السابقة للمشركين، والوعد التي لأنبيائه، تتطرق الآية الأولى في بحثنا لتهديد الكفّار (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه).
إن قدرة الباريء عزّوجلّ أقوى وأعظم من كلّ القدرات الأُخرى، وهو الذي يعلم بكلّ احتياجات ومشكلات عباده، والذي هو رحيم بهم غاية الرحمة واللطف، كيف يترك عباده المؤمنين لوحدهم أمام أعاصير الحوادث وعدوان بعض الأعداء؟
ومع أن سبب نزول هذه الآية - طبقاً لما جاء في الرّوايات التي ذكرناهاـ هو للرد على التخويف والتهديد بغضب الأصنام، لكن معنى الآية أوسع، ويتّسع لكلّ تهديد يهدد به الإنسان بما هو دون الله.
على أية حال، فإنّ في هذه الآية بشرى لكلّ السائرين في طريق الحقّ والمؤمنين الحقيقيين، خاصّة أُولئك الذين يعيشون أقلية في بعض المجتمعات، والمحاطين بمختلف أشكال التهديد من كلّ جانب.
الآية تعطيهم الأمل والثبات، وتملأ أرواحهم بالنشاط وتجعل خطواتهم ثابتة، وتمحو الآثار النفسية لصدمات تهديدات الأعداء، نعم فعندما يكون الله معنا فلا نخاف غيره، وإن انفصلنا وابتعدنا عنه فسيكون كلّ شيء بالنسبة لنا رهيباً ومخيفاً.
وكتتمة للآية السابقة والآية التالية اشارة إلى مسألة (الهداية) و (الضلالة) وتقسم الناس إلى قسمين: (ضالين) و (مهتدين) وكل هذا من الله سبحانه وتعالى، كي تبيّن أنّ جميع العباد محتاجون لرحمته، ومن دون إرادته لا يحدث شيء في هذا العالم، قال تعالى: (ومن يظلل الله فما له من هاد).
﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ أي الرسول أو الجنس ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ﴾ أي الكفرة ﴿بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ بالأصنام إذ قالوا نخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ يخليه وضلاله ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ عن ضلاله.