التّفسير
الشرك محبط للاعمال:
آيات بحثنا تواصل التطرق للمسائل المتعلقة بالشرك والتوحيد والتي كانت قد استعرضت في الآيات السابقة أيضاً.
الآية الأولى تتحدث بلهجة قاطعة وشديدة حول أخطار الشرك، وتقول:
(ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).
وبهذا الترتيب، فإنّ للشرك نتيجتين خطيرتين، تشملان حتى أنبياء الله في مالو أصبحوا مشركين - على فرض المحال - النتيجة الأولى: إحباط الأعمال، والثانية: الخسران والضياع.
وإحباط الأعمال يعني محو آثار ثواب الأعمال السابقة، وذلك بعد كفره وشركه بالله، لأنّ شرط قبول الأعمال هو الاعتقاد بأصل التوحيد، ولا يقبل أي عمل بدون هذا الاعتقاد.
فالشرك هو النّار التي تحرق شجرة أعمال الإنسان.
والشرك هو الصاعقة التي تهلك كلّ ما جمعه الإنسان خلال فترة حياته.
والشرك هو عاصفة هوجاء تدمر كلّ أعمال الإنسان وتأخذها معها، كما ورد في الآية (18) من سورة إبراهيم (مثل الذين كفروا بربّهم أعمالهم كرماد إشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد).
لذا ورد في حديث عن رسول الله (ص): "إن الله تعالى يحاسب كلّ خلق إلاّ من أشرك بالله فإنّه لا يحاسب و يؤمر به إلى النّار"(1).
وأمّا خسارتهم فإنّها بسبب بيعهم أكبر ثروة يمتلكونها، ألا وهي العقل والإدراك والعمر في سوق التجارة الدنيوية، وشراؤهم الحسرة والألم بثمنها.
وهنا يطرح هذا السؤال: هل من الممكن أن يسير الأنبياء العظام في طريق الشرك حتى تخاطبهم الآية الآنفة بهذه اللهجة؟
الجواب على هذا السؤال واضح، وهو أنّ الأنبياء لم يشركوا قطّ، مع أنّهم يمتلكون القدرة والإختيار الكاملين في هذا الأمر، ومعصوميتهم لا تعني سلب القدرة والإختيار منهم، إلاّ أنّ علمهم الغزير وإرتباطهم المباشر والمستمر مع الباريء عزّوجلّ يمنعهم حتى من التفكير ولو للحظة واحدة بالشرك، فهل يمكن أن ينتاول السمّ طبيب عالم وحاذق ومطلع بصورة جيدة على تأثير تلك المادة السامة والخطرة، وهو في حالة طبيعية؟!
الهدف هو إطلاع الجميع على خطر الشرك، فعندما يخاطب الباريء عزّوجلّ أنبياء العظام بهذه اللهجة الشديدة، فعلى الأمة أن تحسب حسابها، هذا الأسلوب من قبيل ما نصّ عليه المثل المعروف (إيّاك أعني واسمعي يا جارة).
ونفس المعنى ورد في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا(ع) أثناء إجابته على سؤال وجهه إليه المأمون، إذ قال: يابن رسول الله أليس من قولك أن الإنبياء معصومون؟ قال (ع): "بلى" قال: فما معنى قول الله إلى أن قال: فأخبرني عن قول الله: (عفى الله عنك لم أذنت لهم).
قال الرضا(ع): "هذا ممّا نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله بذلك نبيّه وأراد به أمته" وكذلك قوله: (لئن اشركت ليحبطن عملك ... ) وقوله تعالى: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا) قال: صدقت يابن رسول الله(2).
﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ من الرسل ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ﴾ فرضا أو من باب إياك أعني ﴿لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.