لذلك توضح الآية التي بعدها عاقبة بعض الأمم السابقة التي ضلّت الطريق وانكفأت عن جادة الحق و الصواب، فتقول في عبارات قاطعة واضحة تحكي عاقبة قوم نوح وحالهم ومن تلاهم من أقوام وجماعات: (كذبت قبلهم قوم نوح و الأحزاب من بعدهم).
المقصود من "الأحزاب" هم قوم عاد وثمود وحزب الفراعنة وقوم لوط، وأمثال هؤلاء ممّن أشارت إليهم الآيتان (12 - 13) من سورة "ص" في قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أُولئك الأحزاب).
هؤلاء هم "الأحزاب" الذين تآزروا ووقفوا ضدّ دعوات الأنبياء الإلهيين، لتعارض مصالحهم مع روح هذه الدعوات ومضامينها الربانية.
إنّهم لم يقتنعوا بمجرّد الوقوف ضدّ الدعوات النبوية الكريمة، بل خططت كلّ أُمّة منهم لأن تمسك بنبيّها فتسجنه وتؤذيه،بل وحتى تقتله: (وهمّت كلّ أُمّة برسولهم ليأخذوه).
ثم لم يكتفوا بهذا القدر أيضاً، بل لجأوا إلى الكلام الباطل لأجل القضاء على الحق ومحوه، وأصروا على إضلال الناس وصدّهم عن شريعة الله: (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق)(1).
إلاّ أنّ هذا الوضع لم يستمر طويلا، ولم يبق لهم الخيرا دوماً، إذ حينما حان الوقت المناسب جاء الوعد الإلهي: (فأخذتهم فكيف كان عقاب).
لكم - أيّها الناس - أن تشاهدوا خرائب مدنهم حين سفركم وأثناء تجوالكم... انظروا عاقبتهم المشؤومة المظلمة مدونة على صفحات التأريخ وفي صدور أهل العلم، فانظروا واعتبروا!
ليس هناك أفضل من هذا المصير الذي ينتظر أشقياء مكّة من الكفار والمشركين الظالمين; إلاّ أن يثوبوا إلى أنفسهم ويعيدوا تقييم أعمالهم.
إذاً، الآية أعلاه تلخص برنامج "الأحزاب" الطاغية ومخططهم في ثلاثة أقسام هي: (التكذيب والإنكار) ثمّ (التآمر للقضاء على رجال الحق) و أخيراً (الدعاية المستمرة لإضلال عامّة الناس).
أمّا مشركو العرب على عهد البعثة النّبوية فقد قاموا بتكرار هذه الأقسام الثلاثة حيال رسول الإسلام (ص) وحيال رسالته، لذلك فليس ثمّة من عجب أن يهددهم القرآن الكريم بما حلّ بأسلافهم وبمن سبقهم من الأحزاب... نفس العاقبة ونفس الجزاء!
﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ﴾ القرآن ما يطعن فيه ﴿إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ عنادا منهم وبطرا ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ من الشام واليمن للتجارات سالمين مترفين فإنهم وإن أمهلوا مأخوذون كأمثالهم المذكورين في ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ﴾ المتحزبين على الرسل كعاد وثمود وغيرهم ﴿مِن بَعْدِهِمْ﴾ بعد قوم نوح ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ ليهلكوه ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا﴾ ليزيلوا ﴿بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ﴾ بالتدمير عقوبة ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ تقرير أي هو في موقعه