لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
لكن نستطيع أن نعتبر الآية التي بعدها دليلا على مانقول، إذ تقول: (ذلكم بأنّه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يُشرك به تؤمنوا). فعندما يدور الكلام عن التوحيد والتقوى والأوامر الحقة تشمئزون وتحزنون، أما إذا دار الحديث عن الكفر والنفاق والشرك فستفرحون وتنبسط أساريركم، لذلك ستكون عاقبتكم ما رأيتم. وهنا نطرح هذا السؤال: كيف نربط هذا الجواب مع طلبهم العودة إلى هذه الدنيا؟ إنّ الآية تفيد أنّ حقيقة أعمال هؤلاء لم تكن محدودة بزمن معين، ولم تكن مؤقتة، بل كانت دائمية، لذلك فلو عادوا إلى الحياة مرّة اُخرى فإنهم سيستمرون على هذا الوضع، أمّا هذا الإيمان والتسليم والإذعان الذي رأيناه منهم يوم القيامة، فهو اضطراري وليس عن قناعة حقيقية. ثمّ إنّ اعتقادات هؤلاء وأعمالهم ونياتهم السابقة تستوجب خلودهم في الجحيم، لذا فلا يمكن عودة هؤلاء إلى الدنيا مع هذا الوضع. وهذا الوضع يختص بالأفراد الذين تجذّر الكفر والشر والذنب في أعماقهم، وهؤلاء هم الذين يصفهم القرآن بأنّ نفوسهم تشمئز عند ذكر الله تعالى وحده، ويفرحون عند ذكر الأصنام: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون)(12). إنّ هذا الوصف لا يختص بالمشركين في زمن رسول الله(ص) فحسب، إذ يشهد زماننا مثل هؤلاء من ذوي القلوب الميتة، الذين يفرون من الإيمان والتوحيد والتقوى، ويقبلون على الكفر والنفاق والفساد. لذلك نقرأ في بعض الروايات عن أهل البيت(عليهم السلام)، في تفسير هذه الآية، أنّها تختص بقضية (الولاية) إذ يتأذى البعض عند سماعها (أي الولاية) ويفرحون عند سماع أسماء أعداء أهل البيت(عليهم السلام) هذا التّفسير هو من باب انطباق المفهوم، العام على المصداق، وليس من باب تقييد كلّ المفهوم الذي تطوية الآية بهذا المصداق). وفي نهاية الآية، ومن أجل أن لا ييأس هؤلاء المشركون ذوو القلوب المظلمة، تقول الآية إنّ الحاكمية تختص بذات الله سبحانه وتعالى: (فالحكم لله العلي الكبير) إذ لا يوجد غيره قاض وحاكم في محكمة الآخرة، ولا يوجد غيره على وكبير، فلا يستطيع أحد أن يغلبه أو أن يؤثّر عليه أو على حكمه بفدية أو غرامة أو وساطه، فالحاكم المطلق هو، والجميع يطيعونه، ولا يوجد طريق للهرب من حكمه. ملاحظة الدعاء البعيد عن الإجابة! ليست هذه المرّة الأولى التي تواجهنا فيها طلبات أهل النّار أو الكفار الذين يريدون العودة إلى هذه الدنيا، فيكون الجواب بالنفي. لقد طرحت الآيات القرآنية هذا الموضوع عدّة مرّات. ففي سورة الشورى الآية (44) نقرأ أن الظالمين بعد أن يروا العذاب يقولون: (هل إلى مرد مِن سبيل). وفي الآية (58) من سورة الزمر، ورد على لسان المذنبين وغير المؤمنين عند رؤيتهم العذاب: (أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرة فأكون من المحسنين). وفي الآية (107) من سورة "المؤمنون" نقرأ قوله تعالى حكاية على لسان أمثال هؤلاء القوم: (ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون). مجموعة اُخرى عندما يحل بها الموت وترى ملائكة الموت تطلب من الله تعالى العودة فتقول: (ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت)(13). إلاّ أنّ هذِهِ الطلبات تردع دوماً بكلمة "كلاّ" أو ما شابه ذلك. وبذلك يتضح أنّ المفهوم القرآني يؤكّد على أنّ الحياة في هذه الدنيا هي تجربة لا يمكن تكرارها بالنسبة للشخص، لذا يجب إبعاد هذا الوهم من العقول بأنّنا اذا متنا وواجهنا العذاب فسوف نعود الى هذه الدنيا ونجبر ما فات حيث لا إمكان للعودة إلى هذه الحياة بعد الموت. وملاك هذا الأمر واضح، ففي قانون التكامل لا يمكن الرجوع والعودة، كما لا يمكن عودة الطفل إلى بطن أمّه وفقاً لهذا القانون، سواء كان هذا الطفل قد اكتمل نموه في بطن أُمه أو لم يكتمل وولد ناقصاً، إذ العودة غير ممكنة أصلا. كذلك الموت الذي هو في الواقع ولادة ثانوية، وانتقال من عالم الدنيا هذه إلى عالم آخر، وهناك تعتبر العودة ضرباً من المحال. إضافة إلى ذلك لا يمكن اعتبار اليقظة الإضطرارية التي تنتاب الناس - الذين تتحدث عنهم الآية - دليلا على الإقتناع أو اليقظة الحقيقية، إذ عندما تخف أسبابها سيعود النسيان والغفلة مرةً اُخرى، وسيتم تكرار نفس الأعمال، كما نرى ذلك واضحاً في هذه الدنيا لدى الكثير من الناس الذين يتوجهون إلى خالقهم عندما تضيق عليهم الحياة، ويلجون أبواب التوبة، إلاّ أنّهم بمجرّد هدوء العواصف ينسون كل شيء وكأنّهم لم يدعوا الله إلى ضر مسّهم!! ﴿ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ﴾ بتوحيده ﴿وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾ بالإشراك ﴿فَالْحُكْمُ﴾ في تعذيبكم ﴿لِلَّهِ الْعَلِيِّ﴾ شأنه ﴿الْكَبِيرِ﴾ العظيم في كبريائه.