الآية التي بعدها تتعرض إلى بعض مخططات هؤلاء الظلمة في مقابل دعوة النّبي موسى(ع): (فلما جاءهم بالحقّ من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نسائهم).
وما نستفيده من الآية هو أنّ قضية قتل الأبناء والإبقاء على النساء فقط لم يقتصر - كأُسلوب طاغوتي - على الفترة التي سبقت ولادة موسى(ع) فحسب، وإنّما تمّ تكرار هذه الممارسة أثناء نبوة موسى(ع)، فالآية (129) من سورة الأعراف تؤيد هذا الرأي، حيث تحكي على لسان بني إسرائيل قولهم لموسى(ع): (أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا).
لقد صدر هذا القول عن بني إسرائيل بعد أن قام فرعون بقتل أبناء المؤمنين منهم بدعوة موسى(ع).
وفي كلّ الأحوال، يعبّر هذا الأُسلوب عن واحدة من الممارسات والخطط المشؤومة الدائمة للقدرات الشيطانية الظالمة التي تستهدف إبادة وتعطيل الصاقات الفعّالة، وترك غير الفاعلين للإفادة منهم في خدمة النظام.
لقد كان "بنو إسرائيل" قبل موسى(ع) عبيداً للفراعنة، لذلك لم يكن من العجيب أن تبادر سلطات فرعون بعد بعثة موسى(ع) وشيوع دعوته إلى اعتماد الخطة المعادية في قتل الأبناء واستحياء النساء، بهدف الإنتقام والإبادة الشديدة لبني إسرائيل كي تتعطل فيهم عوامل الصمود والمقاومة.
ولكن ما هي نتيجة كلّ هذا الكيد؟
القرآن يجيب: (وما كيد الكافرين إلاّ في ضلال).
أعمالهم سهام تطلق في ظلام الجهل و الضلال فلا تصيب سوى الحجارة! لقد قضى الله تعالى بمشيئته أن ينتصر الحق وأهله، وأن يزهق الباطل وأنصاره.
لقد اشتد الصراع بين موسى (ع) وأصحابه من جانب، وبين فرعون وأنصاره من جانب آخر. ووقعت حوادث كثيرة، لا يذكر القرآن عنها كثيراً في هذه الفقرة، ولتحقيق هدف خاص يذكر القرآن أنّ فرعون قرّر قتل موسى(ع) لمنع انتشار دعوته وللحيلولة دون ذيوعها، لكنّ المستشارين من "الملأ" من القوم عارضوا الفكرة.
﴿فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ﴾ كما كنتم تفعلون بهم أولا ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ ضياع وعدل إلى الظاهر للتعميم والتعليل