لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
يقول تعالى: (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وَليدع ربّه). نستفيد من الآية أنّ أكثرية مستشارية أو بعضهم على الاقل كانوا يعارضون قتل موسى، لخوفهم أن يطلب(ع) من ربّه نزول العذاب بساحتهم، لما كانوا يرون من معجزاته وأعماله غير العادية، إلاّ أنّ فرعون - بدافع من غروره - يصر على قتله مهما تكن النتائج. وبالطبع، فإنّ سبب امتناع "الملأ" عن تأييد فكرة فرعون في قتل موسى غير معلوم، فهناك احتمالات كثيرة قد يكون بعضها أو كلّها صحيحة ... . فقد يكون الخوف من العذاب الإلهي - كما احتملنا - هو السبب. وقد يكون السبب خشية القوم من تحوّل موسى(ع) بعد استشهاده إلى هالة مقدّسة، وهو ممّا يؤدي إلى زيادة عدد الأتباع والمؤمنين بدعوته، خاصة إذا ما وقعت حادثة قتله بعد قضية لقاء موسى مع السحرة وانتصاره الإعجازي عليهم. وما يؤكّد هذا المعنى هو أنّ موسى جاء في بداية دعوته بمعجزتين كبيرتين (العصا واليد البيضاء) وقد دعا هذا الأمر فرعون إلى أن يصف موسى(ع)بالساحر، وأن يدعوه للمنازلة مع السحرة في ميقات يوم معلوم (يوم الزينة) وكان يأمل الإنتصار على موسى(ع) عن هذا الطريق، لذا بقي في انتظار هذا اليوم. وبمشاهدة هذا الوضع ينتفي احتمال أن يكون فرعون قد صمّم على قتل موسى قبل حادث يوم الزينة خشية من تبدّل دين أهل مصر(1). خلاصة القول: إنّ هؤلاء يعتقدون أنّ موسى(ع) مجرّد حادث صغير ومحدود، بينما يؤدي قتله في مثل تلك الظروف إلى أن يتحول إلى تيار... تيارٌ كبير يصعب السيطرة عليه. البعض الآخر من المقربين لفرعون ممّن لا يميل إليه، كان يرغب ببقاء موسى(ع) حياً حتى يشغل فكر فرعون دائماً، كي يتمكن هؤلاء من العيش بارتياح بعيداً عن عيون فرعون، ويفعلون ما شاؤوا من دون رقابته. وهذا الأمر يعبّر عن "سليقة" في بلاط السلاطين، إذ يقوم رجال الحاشية - من هذا النوع - بتحريك بعض أعداء السلطة حتى ينشغل الملك أو السلطان بهم، وليأمنوا هم من رقابته عليهم، كي يفعلوا ما يريدون! وقد استدل فرعون على تصميمه في قتل موسى(ع) بدليلين، الأوّل ذو طابع ديني ومعنوي، والآخر ذو طابع دنيوي ومادي، فقال الأول، كما يحكي القرآن ذلك: (إنّي أخاف أن يبدّل دينكم). وفي الثّاني: (أو أن يظهر في الأرض الفساد). فإذا سكتّ أناوكففت عن قتله، فسيظهر دين موسى وينفذ في أعماق قلوب أهل مصر، وستتبدل عباة الأصنام التي تحفظ منافعكم ووحدتكم; وإذا سكتّ اليوم فإنّ الزمن كفيل بزيادة أنصار موسى(ع) وأتباعه، وهو أمرٌ تصعب معه مجاهدته في المستقبل، إذ ستجر الخصومة والصراع معه إلى إراقة الدماء والفساد وشيوع القلق في البلاد، لذا فالمصلحة تقتضي أن أقتله أسرع ما يمكن. بالطبع، لم يكن فرعون يقصد من الدين شيئاً سوى عبادته أو عبادة الأصنام، وهذا الأسلوب في استخدام لباس الدين واسمه وتبنّي شعاراته، يستهدف منه السلطان (فرعون) تحذير الناس وتجهيلهم من خلال إعطاء طابع الدين على مواقفه وكيانه وسلطته. أمّا الفساد فهو من وجهة نظر فرعون يعني الثورة ضدّ استكبار فرعون من أجل تحرير عامّة العباد، ومحو آثار عبادة الأصنام، وإحياء معالم التوحيد، وتشييد الحياة على أساسها. إنّ استخدام لباس الدين ورفع شعاراته، وكذلك "التدليس" على المصلحين بالإتهامات، هما من الأساليب التي يعتمد هما الظلمة والطغاة في كلّ عصر ومصر، وعالمنا اليوم يموج بالأمثلة على ما نقول! والآن لنر كيف كان رد فعل موسى(ع) والذي يبدو أنّه كان حاضر المجلس؟ يقول القرآن في ذلك: (وقال موسى إنّي عذت بربي و ربكم من كلّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب). قال موسى(ع) هذا الكلام بقاطعية واطمئنان يستمدان جذورهما من إيمانه القوي واعتماده المطلق على الله تعالى، وأثبت بذلك بأنّه لا يهتز أو يخاف أمام التهديدات. ويستفاد من قول موسى(ع) أيضاً أنّ من تحل فيه صفتا "التكبر" و "عدم الإيمان بيوم الحساب" فهو إنسان خطر، علينا أن نستعيذ بالله من شرّه وكيده. فالتكبر يصبح سبباً لأن لا يرى الإنسان سوى نفسه وسوى أفكاره، فهو يعتبر كما في حال فرعون - الآيات والمعجزات الإلهية سحراً، ويعتبر المصلحين مفسدين، ونصيحة الأصدقاء والمقربين ضعفاً في النفس. أمّا عدم الإيمان بيوم الحساب فيجعل الإنسان حراً طليقاً في أعماله وبرامجه، لا يفكر بالعواقب، و لا يرى لنفسه حدوداً يقف عندها، وسيقوم بسبب انعدام الضوابط وفقدان الرقابة بمواجهة كلّ دعوة صالحة ويحارب الأنبياء. ولكن ماذا كان عاقبة تهديد فرعون؟ الآيات القادمة تنبئنا بذلك، وتكشف كيف استطاع موسى(ع) أن يفلت من مخالب هذا الرجل المتكبر المغرور. ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ قاله تجلدا وعدم مبالاة بدعائه ﴿إِنِّي أَخَافُ﴾ إن لم أقتله ﴿أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ ما يفسد دنياكم.