التّفسير
يعود القرآن مرّة أُخرى إِلى مسألة الإِرث إِذ يقول: (ولكلّ جعلنا موالي(1)ممّا ترك الوالدان والأقربون) أي لكل رجل أو امرأة جعلنا ورثة يرثون ممّا ترك الوالدان والأقربون الذي يجب أن يقسّم بينهم طبق برنامج خاص.
إنّ هذه العبارة هي - في الحقيقة - خلاصة أحكام الإرث التي مرّ ذكرها في الآيات السابقة في مجال الأقرباء، وهي مقدمة لحكم سيأتي بيانه في ما بعد.
يثمّ إنّ الله تعالى يضيف قائ: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) أي ادفعوا إِلى الذين عقدتم معهم عقداً نصيبهم من الإِرث.
والتعبير عن الميثاق بعقد اليمين (وهو العقد باليد اليمنى) لأجل أنّ الإِنسان غالباً ما يستفيد من يده اليمنى للقيام بأعماله، كما أنّ الميثاق يشبه نوعاً من العقد (في مقابل الحل).
والآن لننظر من هم الذين عقد معهم الميثاق، الذين لابدّ أن يعطوا نصيبهم من الإِرث؟
يحتمل بعض المفسّرين أنّ المراد هو الزوج والزوجة لأنّهما عقدا في ما بينهما رابطة الزوجية.
ولكن هذا الإِحتمال يبدو مستبعداً، لأنّ التعبير عن الزواج بعقد اليمين ونظيره في القرآن الكريم قليل جداً، هذا مضافاً إِلى أنّه يعد تكراراً للمواضيع السابقة.
إنّ ما هو أقرب إِلى مفهوم الآية هو عقد "ضمان الجريرة" الذي كان رائجاً قبل الإِسلام، وقد عدله الإِسلام بعد أن أقرّه لما فيه من ناحية إِيجابية وهو: "أن يتعاقد شخصان فيما بينهما على أن يتعاونا فيما بينهما بشكل أخوي أن يعين أحدهما الآخر عند المشكلات، وإِذا مات أحدهما قبل الآخر ورثه الباقي" ولقد أقر الإِسلام هذا النوع من التعاقد الأخوي الودي، ولكنّه أكد على أنّ التوارث بسبب هذا الميثاق إنّما يمكن إِذا لم يكن هناك ورثة من طبقات الأقرباء، يعني إِذا لم يبق أحد من الأقرباء ورث ضامن الجريرة الذي وقع بينه وبين الآخر مثل هذا العقد (لمعرفة التفاصيل أكثر راجع بحث الإِرث في الكتب الفقهية)(2).
ثمّ ختم سبحانه الآية بقوله: (إنّ الله كان على كل شيء شهيداً) أي إِذا قصرتم في إعطاء نصيب الورثة ولم تعطوهم حقوقهم كاملة، علم الله بذلك ولم يخف عليه ما فعلتم، لأنّه على كل شيء شهيد وبكل شيء عليم.
قيل قالت أم سلمة يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث ليتنا رجال، فنزلت ﴿وَلِكُلٍّ﴾ لكل واحد ﴿جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ وراثا ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ هم أولى بميراثه وهم أولوا الأرحام في المواريث فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها ﴿الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾ أي لكل ميت جعلنا وراثا مما ترك أو لكل قوم جعلناهم موالي حظ مما ترك ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ﴾ وقرىء عاقدت ﴿أَيْمَانُكُمْ﴾ جمع يمين بمعنى اليد أو القسم أي الحلفاء الذين عاهدتموهم على النصرة ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلة أي دية جنايته خطأ وروي: هم الأئمة بهم عقد الله أيمانكم ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ لا يغيب عنه شيء.