ولم يكتف "مؤمن آل فرعون" بهذا القدر، وإنّما استمرّ يحاول معهم بلين وحكمة، حيث قال لهم كما يحكي ذلك القرآن من أنّه قال لهم أن بيدكم حكومة مصر الواسعة مع خيراتها و نعيمها فلا تكفروا بهذه النعم فيصيبكم العذاب الالهي. (يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا).
ويحتمل أن يكون غرضه: إنكم اليوم تملكون كلّ أنواع القوّة، وتستطيعون اتخاذ أي تصميم تريدونه اتجاه موسى (ع)، ولكن لا تغرنكم هذه القوّة، ولا تنسوا النتائج المحتملة وعواقب الأُمور.
ويظهر أنّ هذا الكلام أثر في حاشية فرعون وبطانته، فقلّل من غضبهم وغيظهم، لكن فرعون لم يسكت ولم يقتنع، فقطع الكلام بالقول: (قال فرعون ما أريكم إلاّ ما أرى) وهو إنّي ارى من المصلحة قتل موسى و لا حلّ لهذه المشكلة سوى هذا الحل.
ثمّ إنني : (و ما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد).
و هذه هو حال كافة الطواغيت و الجبّارين على طول التأريخ، فهم يعتبرون كلامهم الحق دون غيره، و لا يسمحون لأحد في إبداء وجهة نظر مخالفة لما يقولون، فهم يظنون أن عقلهم كامل، وأن الآخرين لا يملكون علماً ولا عقلا... وهذا هو منتهى الجهل والحماقة.
﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ﴾ غالبين ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أرض مصر ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ﴾ من عذابه إن قتلتموه ﴿إِنْ جَاءنَا﴾ أدرج نفسه معهم للقرابة وإظهار المشاركة للنصح ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ﴾ ما أشير عليكم ﴿إِلَّا مَا أَرَى﴾ بما أراه لنفسي من قتله ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ الصواب