الآية الكريمة التي تليها تعرّف "المسرف المرتاب" بقول الله تبارك وتعالى: (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم)(2).
هؤلاء يرفضون آيات الله البينات من دون أي دليل واضح من عقل أو نقل، بل يستجيبون في ذلك إلى أهوائهم المغرضة ووساوسهم المضلّة الواهية، كي يستمروا في رفع راية الجدل والمعارضة.
وللكشف عن قبح هذه المواقف عند الله وعند الذين آمنوا، تقول الآية: (كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا)(3).
ذلك لأنّ الجدال بالباطل (الجدال السلبي) واتخاذ المواقف ضدّ الوقائع والآيات القائمة على أساس الدليل المنطقي، يعتبر أساساً لضلال المجادلين وتنكبهم عن جادة الهداية والصواب، وكذلك في اغواء للآخرين، حيث تنطفيء أنوار الهداية في تلك الأوساط، وتتقوى أسس ودعائم حاكمية الباطل.
في النهاية، وبسبب عدم تسليم هؤلاء أمام الحق، تقرّر الآية قوله تعالى:(كذلك يطبع الله على كلّ قلب متكبر جبّار )(4).
أجل، إنّ العناد في مقابل الحق يشكّل ستاراً مظلماً حول فكر الإنسان، ويسلب منه قابليته على التشخيص الهادي الصحيح، بحيث ينتهي الأمر إلى أن يتحول القلب إلى مثل الإناء المغلق، الذي لا يمكن افراغه من محتواه الفاسد، ولا ادخال المحتوى الهادي الصحيح.
إنّ الأشخاص الذين يقفون في وجه الحق و أهله بسبب اتصاف بصفتي التكبر و التجبر، فإنّ الله تعالى سوف يسلب منهم روح طلب الحقيقة الى درجة أن الحق سيكون مراً في مذاقهم، والباطل حلواً.
وفي كلّ الأحوال، لقد قام مؤمن آل فرعون بعمله من خلال الوسائل التي وقفنا عليها آنفاً، فانتهى - كما سيظهر في الآية اللاحقة - إلى أجهاض مخطط فرعون في قتل موسى(ع)، أو على الأقل وفّر الوقت الكافي في تأخير تنفيذ هذا لمخطط إلى أن استطاع موسى(ع) أن يفلت من الخطر.
لقد كانت هذه مهمّة عظيمة أنجزها هذا الرجل المؤمن الشجاع، الذي انصب جهده في هذه المرحلة الخطيرة من الدعوة الموسوية على إنقاذ حياة كليم الله (ع): وكما سيتضح لاحقاً من احتمال أن هذا الرجل ضحى بحياته أيضاً في هذا السبيل.
﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ﴾ برهان ﴿أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا﴾ تمييز ﴿عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قرنهم بنفسه تعظيما لشأنهم ﴿كَذَلِكَ﴾ الطبع ﴿يَطْبَعُ اللَّهُ﴾ يختم ﴿ َلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ إسناده إليه تعالى كناية عن رسوخه في الكفر أو مجاز عن ترك قسره أو إسناده إلى السبب.