لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
إنّ يوم الأشهاد يوم افتضاح الكافرين وسوء عاقبة الظالمين، هو: (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار). فمن جهة هو يوم لا تنفع المعذرة فيه، ولا يحول شيء دون افتضاح الظالمين أمام الأشهاد. ومن جهة اُخرى هو يوم تشمل اللعنة الإلهية فيه الظالمين، واللعنة هنا البعد عن الرحمة. ومن جهة ثالثه هو يوم ينزل فيه العذاب الجسماني على الظالمين، ويوضعون في أسوأ مكان من نار جهنم. سؤال: إنّ الآية تفتح المجال واسعاً للسؤال التالي: إذا كان الله (تبارك وتعالى) قد وعد حتماً بانتصار الأنبياء والمؤمنين، فلماذا نشاهد، - على طول التأريخ - مقتل مجموعة من الأنبياء والمؤمنين على أيدي الكفار؟ ولماذا ينزل بهم الضيق والشدة من قبل أعداء الله، ثمّ لماذا تلحق بهم الهزيمة العسكرية؟ وهل يكون ذلك نقضاً للوعد الإلهي الذي تتحدث عنه الآية الكريمة؟ الجواب على كلّ هذه الأسئلة المتشعبة يتضح من خلال ملاحظة واحدة هي: إن أكثر الناس ضحية المقاييس المحدودة في تقييم مفهوم النصر، إذ يعتبرون الإنتصار يتمثل فقط في قدرة الإنسان على دحر عدوه، أو السيطرة على الحكم لفترة وجيزة! إنّ مثل هؤلاء لا يرون أي اعتبار لانتصار الهدف وتقدم الغاية، أو تفوق وانتشار المذهب والفكرة; هؤلاء لا ينظرون إلى قيمة المجاهد الشهيد الذي يتحول إلى نموذج وقدوة في حياة الناس وعلى مدى الأجيال. ولا ينظرون إلى القيمة الكبرى التي يستبطنها مفهوم العزة والكرامة والرفعة التي ينادي بها أحرار البشر والقرب من الله تعالى ونيل رضاه. وبديهي إنّ الإنحباس في إطار هذا التقييم المحدود يجعل من العسير الجواب على ذلك الاشكال، أما الإنطلاق إلى أفق المعاني الواسعة الوضّاءة لمفهوم النصر الإلهي والاخذ بنظر الاعتبار القيم الواقعية للنصر سيؤدى بنا الى معرفة المعنى العميق للآية. ثمّة كلام لطيف لسيّد قطب في تفسيرة "في ظلال القرآن" يناسب هذا المقام، إذ يورد فيه ذكرى بطل كربلاء الإمام الحسين(ع) كمثال على المعنى الواسع لمفهوم النصر فيقول: "... والحسين - رضوان الله عليه - وهو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب، المفجعة من جانب، أكانت هذه نصراً أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة. فأمّا في الحقيقة الخالصة وبالمقياس الكبير فقد كانت نصراً. فما من شهيد في الأرض تهتز له الجوانح بالحب والعطف وتهفو له القلوب وتجيش بالغيرة والفداء كالحسين رضوان الله عليه، يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين وكثير من غير المسلمين"(1). وينبغي أن نضيف إلى هذا الكلام أن شيعة أهل البيت عليهم السلام يشاهدون كل يوم بأعينهم آثار الخير من حياة سيّد الشهداء الإمام أبي عبدالله الحسين(ع)ويلمسون آثار استشهاده واستشهاد صحبه البررة من أهل بيته وأصحابه; إن مجالس العزاء التي تقام للحديث عن مناقب الحسين وصحبه الكرام هي ينبوع الخير لحركة عظيمة ثرّة ما زال عطاؤها لم ولن ينضب! لقد شاهدنا بأعيننا ومن خلال النموذج الثوري الذي شهدته أرض إيران المسلمة، كيف استطاع الملايين من أبناء الإسلام أن يتحركوا في أيّام عاشوراء للقضاء على الظلم والطغيان والإستكبار. لقد شاهدنا بأعيننا كيف استطاع هذا الجيل المضحي الذي تربى في مدرسة أبي الشهداء الحسين(ع) وتغذى ممّا تدره مجالس عزائه، أن يحطّم بأيد خالية عرش أقوى السلاطين الجبّارين. نعم، لقد شاهدنا دم الحسين الشهيد وقد سرى في العروق عزةً و حركةً وانتفاضة، غيرت الحسابات السياسية والعسكرية للدول الكبرى. بعد كلّ ذلك، ومع كلّ العطاء الثر الهادي الذي استمدته كلّ الأجيال - خلال التأريخ - من ذكرى الطف و سيّد الشهداء، ألا يعتبر الحسين(ع) منتصراً حتى باتت آثار نصره الظافر حاضرة فينا بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عشر قرناً على استشهاده!؟ سؤال آخر ثمة سؤال آخر يتبلور من المقابلة بين الآية التي بين أيدينا و الآية (36) من سورة "المرسلات" إذ نقرأ الآية التي نحن بصددها أنّ اعتذار الظالمين لا يؤثر ولا ينفعهم يوم القيامة، فيما تنص الآية من سورة المرسلات على أنّه لا يسمح لهم بالإعتذار أصلا، حيث قوله تعالى: (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) فكيف يا ترى نوفّق بين الإثنين؟ قبل الإجابة ينبغي الإنتباه إلى ملاحظتين: الأولى: أنّ ليوم القيامة مواقف معينة تختلف شرائطها، ففي بعضها يتوقف اللسان عن العمل وتنطق الأرجل والأيدي والجوارح، وتقوم بالشهادة على عمل الإنسان. وفي مواقف اُخرى ينطلق اللسان بالنطق والكلام (كما تحكي ذلك الآية 65 من سورة "يس" والآيات السابقة في هذه السورة التي تحدثت عن تحاجج أهل النّار). بناءٌ على هذا، فلا مانع من عدم السماح لهم بالإعتذار في بعض المواقف، في حين يسمح لهم في مواقف اُخرى، وإن كان الإعتذار لا يجدي شيئاً ولا يغير من المصير. الملاحظة الثانية: إنّ الإنسان يتحدث في بعض الأحيان بكلام لا فائدة منه، ففي مثل هذه الموارد يكون الشخص كمن لم يتكلّم أصلا. بناءً على هذا يمكن أن تكون الآية الدالة على عدم السماح لهم بالإعتذار تقع وفق هذا المعنى، أي أنّ اعتذارهم برغم خروجه من أفواههم، إلاّ أنّه لا فائدة ترجى منه. ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ اعتذارهم ولو اعتذروا ﴿وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ البعد من الرحمة ﴿وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ جهنم.