التّفسير
ما يستوي الأعمى والبصير!
دعت الآيات السابقة رسول الله(ص) إلى الصبر والإستقامة أمام المعارضين وأكاذيبهم ومخططاتهم الشيطانية، والآيات التي نحن بصددهاتذكر سبب مجادلتهم للحق.
يقول تعالى: (إنّ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلأكبر).
"المجادلة" - كما أشرنا سابقاًـ تعني العناد في الكلام وإطالته بأحاديث غير منطقية، وإن كانت تشمل أحياناً في معناها الواسع الحق و الباطل.
أما قوله تعالى: (بغير سلطان أتاهم) فهي للتأكيد على ما يستفاد من معنى المجادلة حيث تعني "سلطان" الدليل والبرهان الذي يكون سبباً لهيمنة الإنسان على خصمه.
أما "آتاهم"فهي إشارة إلى الأدلة والبراهين التي أوحى الله بها إلى أنبيائه عليهم السلام، ولا ريب أنّ الوحي هو أفضل الطرق وأكثرها اطمئناناً لإثبات الحقائق.
أما المقصود بـ "آيات الله" التي كانوا يجادلون فيها، فهي معجزات وآيات القرآن والأحاديث المختصة بالمبدأ والمعاد، حيث كانوا يعتبرونها سحراً، أو أنّها علامات الجنون، أو أساطير الأولين!
من ذلك يتبيّن أن ليس لهؤلاء من دليل حي ومنطقي في المجادلة سوى التعالي والغرور والتكبر عن الإنصياع إلى الحق، لذلك كانوا يرونَ أنّ أفكار الآخرين وعقائدهم باطلة وأن عقائدهم وأفكارهم حقّة!
تشير كلمة (إن) إلى أنّ السبب الوحيد لعنادهم في هذه الموارد هو الغرور والتكبّر، وإلاّ كيف يصرّ الإنسان على كلامه وموقفه دون دليل أو برهان.
"الصدور" تشير هنا إلى القلوب، والمقصود بالقلب هو الفكر والروح، حيث ورد هذا المعنى مرّات عدّة في آيات الكتاب المبين.
أمّا كلمة (كبر) في الآية فقد فسّرها بعض المفسّرين بالحسد.
وبذلك اعتبر هؤلاء أن سبب مجادلتهم لرسول الله(ص) هو حسدهم له ولمنزلته ومقامه المعنوي الظاهري.
لكن "كبر" لا تعني في اللغة المعنى الآنف الذكر، لكنّه يمكن أن يلازمها، لأنّ من يتكبّر يحسد، إذ لا يرى المتكبّر المواهب إلاّ لنفسه، ويتألم إذا انصرفت لغيره حسداً منه وجهلا.
ثم تضيف الآية: (ما هم ببالغيه).
إنّ هدفهم أن يروا أنفسهم كباراً، يفاخرون بذلك و يفتخرون على غيرهم، لكنّهم لن يحصدوا سوى الذلة والخسران، ولن يصلوا بطريق التكبر والغرور والعلو و المجادلة بالباطل إلى ما يبتغونه(1).
في نهاية الآية تعليمات قيمة لرسول الله(ص) بأن يستعيذ بالله من شر هؤلاء المتكبرين المغرورين الذين لا منطق لهم، حيث يقول تعالى: (فاستعذ بالله إنّه هو السميع البصير).
فهو - تعالى - يسمع أحاديثهم الباطلة الواهية، وينظر إلى مؤامراتهم وأعمالهم القبيحة وخططهم الشريرة.
والاستعاذة بالله لا تنبغي لرسول الله (ص) وحده وحسب، وإنّما تجب على كل السائرين في طريق الحق عندما تتعاظم الحوداث ويستعر الصدام مع المتكبرين عديمي المنطق!
لذلك نرى استعاذة يوسف (ع) عندما تواجهه العاصفة الشديدة المتمثلة بشهوة "زليخا" يقول: (معاذ الله إنّه ربي أحسن مثواي) فكيف أخون عزيز مصر الذي أكرمني وأحسن وفادتي.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ﴾ برهان ﴿أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ﴾ تكبر عليك وحب للرئاسة ﴿مَّا هُم بِبَالِغِيهِ﴾ ببالغي مرادهم ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ من شرهم ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالكم ﴿الْبَصِيرُ﴾ بأحوالكم.