إنّ قضية المعاد وعودة الروح للإنسان بعد موته، تعتبر من أكثر القضايا التي يجادل فيها الكفار، ويعاندون بها رسول الله(ص) لذلك تنتقل الآية التالية إلى التذكير بهذه القضية، وإعادة طرحها وفق منطق قرآني آخر، إذ يقول تعالى: (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
إنّ خالق هذه المجرّات العظيمة ومدبّرها يستطيع - بصورة أولى - أن يحيي الموتى، وإلاّ كيف يتسق القول بخلقه السماوات والأرض وعجزه من إعادة الإنسان إلى الحياة بعد الموت؟
إنّ هذا المنطق يعبّر عن جهل هؤلاء الذين لا يستطيعون إدراك هذه الحقائق الكبرى!
أغلب المفسّرين اعتبر هذه الآية ردّاً على مجادلة المشركين بشأن قضية المعاد، بينما احتمل البعض أنّها رد على كبر المتكبرين والمغرورين الذين كانوا يتصورون أن ذواتهم وأفكارهم عظيمة غير قابلة للردّ أو النقض، في حين آنها تافهة بالقياس إلى عظمة عالم الوجود(3).
هذا المعنى غير مستبعد، ولكن إذا أخذنا بنظر الإعتبار الآيات التي بعدها يكون المعنى الأوّل أفضل.
لقد تضمنت الآية الكريمة سبباً آخر من أسباب المجادلة متمثلا بـ "الجهل" في حين طرحت الآيات السابقة عامل "الكبر". والعاملان يرتبطان مع بعضهما، لأن أصل وأساس "الكبر" هو "الجهل" وعدم معرفة الإنسان لحدوده وقدره، ولعدم تقديره لحجم علمه ومعرفته.
الآية التي بعدها، وفي إطار مقارنة واضحة تكشف عن الفرق بين حال المتكبرين الجهلة إزاء المؤمنين الواعين، حيث يقول: (وما يستوي الأعملى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء)(4).
إلاّ أنكم بسبب جهلكم وتكبركم: (قليلا ما تتذكرون)(5).
إنّ المبصرين يرون صغر أنفسهم إزاء عظمة العالم المحيط بهم، وبذلك فهم يعرفون قدر أنفسهم و معرفتهم وموقعهم، إلاّ أنّ الأعمى لا يدرك موقعه أو حجمه في الزمان والمكان وفي عموم الوجود المحيط به. لذلك فهو يخطىء دائماً في تقييم أبعاد وجوده، ويصاب بالكبر و الغرور والوهم الذي يدفعه إلى ما هو قبيح وسىّء.
ونستفيد أيضاً من خلال ارتباط الجملتين ببعضهما البعض أنّ الإيمان والعمل الصالح ينوّر بصائر القلب والفكر بنور المعرفة والتواضع والإستقرار، بعكس الكفر والعمل الطالح الذي يجعل الإنسان أعمى فاقداً لبصيرته، مشوّهاً في رؤيته للأشياء والمقاييس.
﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ابتداء من غير أصل ﴿أَكْبَرُ﴾ في النفوس ﴿مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ ثانيا من أصل ومن قدر على الأشد قدر على الأهون ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك لتركهم النظر.