الآية التي بعدها، وفي إطار مقارنة واضحة تكشف عن الفرق بين حال المتكبرين الجهلة إزاء المؤمنين الواعين، حيث يقول: (وما يستوي الأعملى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء)(4).
إلاّ أنكم بسبب جهلكم وتكبركم: (قليلا ما تتذكرون)(5).
إنّ المبصرين يرون صغر أنفسهم إزاء عظمة العالم المحيط بهم، وبذلك فهم يعرفون قدر أنفسهم و معرفتهم وموقعهم، إلاّ أنّ الأعمى لا يدرك موقعه أو حجمه في الزمان والمكان وفي عموم الوجود المحيط به. لذلك فهو يخطىء دائماً في تقييم أبعاد وجوده، ويصاب بالكبر و الغرور والوهم الذي يدفعه إلى ما هو قبيح وسىّء.
ونستفيد أيضاً من خلال ارتباط الجملتين ببعضهما البعض أنّ الإيمان والعمل الصالح ينوّر بصائر القلب والفكر بنور المعرفة والتواضع والإستقرار، بعكس الكفر والعمل الطالح الذي يجعل الإنسان أعمى فاقداً لبصيرته، مشوّهاً في رؤيته للأشياء والمقاييس.
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ من لم ينظر ومن نظر ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي ولا يستوي المحسن ﴿وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾ أي تذكرا قليلا تتذكرون.