الآية الأخيرة من المجموعة القرآنية، هي في الواقع خلاصة لكل البحوث التوحيدية الآنفة، وجاءت لكي تقضي على أدنى بارقة أمل قد يحتمل وجودها في نفوس المشركين، إذ يقول تعالى موجهاً كلامه إلى النّبي الأكرم(ص): (قل إنّي نهيت أن أعبدالذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربّي).
ولم ينهاني ربّي عن عبادة غيره فحسب، بل:(وأمرت أن أسلم لربّ العالمين). نهى عن عبادة الأصنام يتبعه - مباشرة - بدليل منطقي من البراهين والبينات ومن العقل والنقل، في أن يسلم لـ : "ربّ العالمين" وفي هذه العبارة أيضاً دليل آخر على المقصود لأن كونه ربّ العالمين دليل كاف على ضرورة التسليم في مقابله.
ومن الضروري أن نشير إلى افتراق الأمر والنهي في هذه الآية، فهناك أمر بالتسليم لله جلّ وعلا، ونهي عن عبادة الأصنام، وقد يعود السبب في التفاوت بين النهي والأمر إلى أنّ الأصنام قد تختص بصفة "العبادة" وحسب، لذلك جاءالنهي عن عبادتها. أما بالنسبة لله تعالى فبالإضافة إلى عبادته يجب التسليم له والإنصياع والإنقياد إلى أوامره وتعليماته.
لذلك نقرأ في الآيتين (11ـ12) من سورة "الزمر" قوله تعالى: (قل إنّي أمرت أن أعبدالله مخلصاً له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين).
إنّ أمثال هذه الصيغ والأساليب المؤثرة يمكن أن نلمسها في كلّ مكان من كتاب الله العزيز، فهي تجمع الليونة والأدب حتى إزاء الأعداء والخصوم، بحيث لو كانوا يملكون أدنى قابلية لقبول الحق فسيتأثرون بالأسلوب المذكور.
ينبغي أن نلاحظ أيضاً التعبير في قوله تعالى: (إنّي أمرت ... إنّي نهيت) أيّ عليكم أنتم أن تحاسبوا أنفسكم من دون أن يثير فيهم حسّ اللجاجة والعناد.
الكلام الأخير في هذه المجموعة من الآيات هو أنّها أعادت وصف الخالق بـ "ربّ العالمين" في ثلاث آيات متتالية:
تقول أولا: (فتبارك الله ربّ العالمين).
ثم: (الحمد لله ربّ العالمين).
وأخيراً: (أمرت أن أسلم لربّ العالمين).
إنّه نوع من أنواع الترتيب المنطقي الذي يصل بين أجزائها وجوانبها فالآية الأولى تشير إلى البركة وديموميتها، والثانية إلى اختصاص الحمد والثناء بذاته المقدسة دون غيره، وأخيراً تخصيص العبودية وحصرها به دون غيره عزّاسمه.
﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي﴾ من دلائل توحيده ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أخلص له وانقاد لأمره.