الآية التي بعدها تشير إلى علة مصائب هذه المجموعة، حيث يقول تعالى: (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون).
كانوا يفرحون بمعارضة الأنبياء وقتل المؤمنين والتضييق على المحرومين، وكانوا يشعرون بالعظمة عند ارتكاب الذنوب وركوب المعاصي. واليوم عليهم أن يتحملوا ضريبة كلّ ذلك الفرح والغفلة والغرور من خلال هذه النيران والسلاسل والسعير.
"تفرحون" من "فرح" وتعني السرور والإبتهاج. وقد يكون الفرح ممدوحاً ومطلوباً في بعض الأحيان، كما تفيد الآيتان (الرابعة) و(الخامسة) من سورة "الروم" في قوله تعالى: (ويومئذ يفرح المؤمنين بنصر الله).
وفي بعض الأحيان يكون الفرح مذموماً وباطلا، كما ورد في قصة قارون، الآية (76) من سورة "القصص" حيث نقرأ قوله تعالى: (إذ قال له قومه لا تفرح إنّ الله لا يحب الفرحين).
طبعاً ينبغي التفريق بين الموردين من خلال القرائن، ولا ريب من أن "الفرح" في الآية التي نبحثها من النوع الثّاني.
"تمرحون" مشتقّة من "مرح" على وزن "فرح" وهي كما يقول اللغويون والمفسرون، تأتي بمعنى شدة الفرح، وقال آخرون: إنّها تعني الفرح بسبب بعض القضايا الباطلة.
في حين ذهبت جماعة ثالثة إلى اعتبارها حالة من الفرح المتزامن مع نوع من الطرب والإستفادة من النعم الإلهية في طريق الباطل.
والظاهر أنّ هذه المعاني جميعاً تعود إلى موضوع واحد، ذلك أنّ شدّة الفرح والإفراط فيه يشمل جميع المواضيع والحالات السابقة. وفي نفس الوقت فهو يتزامن مع أنواع الذنوب والآثام والفساد والشهوة(4).
إنّ هذه الأفراح المتزامنة مع الغرور والغفلة والشهوة، تبعد الإنسان بسرعة عن الله تبارك وتعالى وتمنعه من إدراك الحقيقة، فتكون الحقائق لديه غامضة والمقاييس معكوسة.
﴿ذَلِكُم﴾ العذاب ﴿بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ أي الشرك ونفي البعث ﴿وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ تبطرون.