لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
لكن القرآن الكريم يذكر مآل غرور هؤلاء وعلوّهم وتكبرهم إزاء آيات الله، حينما يقول: (فلمارأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين). ثم تأتي النتيجة سريعاً في قوله تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا). لماذا؟ لأنّه عند نزول "الإستئصال" تغلق أبواب التوبة، وعادة ما يكون مثل هذا الإيمان إيماناً اضطرارياً ليس له ثمرة الإيمان الإختياري، إذ أنّه تحقق في ظل شروط غير عادية، لذا من المحتمل جدّاً أن يعود هؤلاء إلى سابق وضعهم عندما ترتفع الشروط الإستثنائية التي حلّت بهم. لذلك لم يُقبل من "فرعون" إيمانه وهو في الأنفاس الأخيرة من حياته وعند غرقه في النيل. وهذا الحكم لا يختص بقوم دون غيرهم، بل هو: (سنة الله التي قد خلت في عباده). ثم تنتهي الآية بقوله تعالى: (وخسر هنالك الكافرون). ففي ذلك اليوم عندماينزل العذاب بساحتهم سيفهم هؤلاء بأنّ رصيدهم في الحياة الدنيا لم يكن سوى الغرور والظنون و الأوهام، فلم يبق لهم من دنياهم سوى التبعات والعذاب الإلهي الأليم، وهل ثمّة خسران أكبر من هذا؟! وهكذا تنتهي السورة المباركة (المؤمن) التي بدأت بوصف حال الكافرين المغرورين، ببيان نهاية هؤلاء وما آل إليه مصيرهم من العذاب والخسران. المغرورون بالعلم! في الآيات المختلفة لهذه السورة المباركة - كما أوضحنا ذلك - يتبيّن أنّ أساس انحراف قسم كبير من الناس هو التكبر والغرور. قد يكون امتلاك المال من أسباب العلو والتكبر، أو كثرة الأفراد وامتلاك القدرات العسكرية. أو كمية محدودة من المعلومات في فرع من فروع المعرفة، يظن الإنسان أنّها كبيرة وكثيرة، فتدفعه إلى العلو والإستغناء السخرية. إنّ حالة عصرنا الراهن تعكس نموذج "الغرور العلمي" بشكل جلّي واضح، ففي ظل التقدم السريع الذي أحرزته المجتمعات المادية في المجالات العلمية والتقنية، نراها عمدت إلى إلغاء دور الدين من الحياة،وقد سيطر الغرور العلمي على بعض علماء الطبيعة الى درجة أنّهم تصوروا أن لا يوجد في هذا العالم شيء خارج اطار علومهم و معارفهم، وبما أنّهم لم يروا الله في مختبراتهم انكروا وجوده وجحدوا نعمته. لقد ذهب بهم الغرور إلى أكثر من ذلك عندما أصبحوا يجهرون أن الدين ووحي الأنبياء إنّما كانا بسبب الجهل أو الخوف، أما وقد حلّ عصر التقدم العلمي فإنّ الحاجة إلى مثل هذه المسائل انعدمت تماماً، بل وعمدوا إلى فرض تفسير معين لتطوّر الحياة يماشي ادعاءهم هذا، فقالوا: إنّ الحياة الفكرية للبشر مرّت عبر المراحل الآتية: 1ـ مرحلة الأساطير. 2ـ مرحلة الدين. 3ـ مرحلة الفلسفة. 4ـ مرحلة العلم، والمقصود بها العلوم الطبيعية. بالطبع، نحن لا ننكر أنّ السلطة الديكتاتورية للكنيسة على عقول الناس في أوروبا، وشيوع الخرافات وأنواع التفكير الأسطوري لقرون مديدة في تأريخ تلك القارة، بالإضافة إلى القمع الذي كانت تمارسه طبقة رجال الدين الكنسي (الإكليروس) هناك; كلّ هذه العوامل ساهمت - إلى درجة كبيرة - في نمو المذاهب التي تقوم على أساس رفض الدين والإيمان والغيب، والإعتماد بدلا عنها على أُسس المادة والتجربة والإلحاد. ولحسن الحظ لم تستمر هذه المرحلة طويلا، إذ اجتمعت مجموعة عوامل وساعدت للقضاء على مثل هذه التصورات المنحرفة، وكأنّ العذاب قد مسّهم عندما ركبهم الغرور والعلو. فمن ناحية أظهرت الحرب العالمية الأولى والثانية أنّ التقدم العلمي والصناعي قد جعل البشرية على حافة السقوط والدمار. ومن ناحية ثانية، فإنّ ظهور المفاسد الأخلاقية والإجتماعية والقتل والإبادة وأنواع الأمراض النفسية، وسلسلة الإعتداءات المالية والجنسية، كلّ ذلك كشف عن عجز العلوم وقصورها لوحدها عن بناء الحياة الإنسانية بشكل سليم صحيح. من جانب ثالث، عملت المساحات المجهولة في وعي الإنسان العلمي وقصوره عن الأحاطة بكافة أسباب الظواهر الطبيعية والحياتية إلى اعترافه بالعجز عن إدراك مطلق لأسباب المعرفة من خلال العلم وحده، فعاد الكثير من العلماء إلى ساحة الإيمان وجادّة الدين، وضعفت نوازع الدعاوى الإلحادية. وفي المعترك الصعب هذا تألق الإسلام بتعليماته الشاملة والجامعة، وبدأت موجات العودة نحو الإسلام الأصيل. ونأمل أن تكون هذه اليقظة عميقة شاملة قبل أن يشمل البأس الإلهي مرّة اُخرى أجزاء من هذا العالم، ونأمل أن تزول آثار ذلك الغرور باسم العلم حتى لا يكون مدعاةً للخسران الكبير. اللّهم احفظنا من الغرور ومن التكبر والعناد وحبّ الذات الذي يقودنا إلى الهلاك وسوء العاقبة والإفتضاح. إلهي، اهد المجتمعات البشرية في عصرنا الحاضر إلى ظل تعليمات أنبيائك، قبل أن يشملهم بأسك الشديد أناس هذا العصر. اللّهم، اجعلنا ممن يأخذ العبرة من مصير الاقوام السالفة لكي لا نمسي عبرة للآخرين.... أمين رب العالمين نهاية سورة المؤمن ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ إذ لا يقبل إيمان الملجأ ﴿سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ أي سن الله ذلك سنة ماضية في الأمم ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ أي وقت رؤيتهم بأسنا.