التّفسير
نزول الملائكة على المؤمنين الصامدين:
يعتمد القرآن الكريم في أسلوبه وضع صور متقابلة ومتعارضد للحالات التي يتناولها كي يوضحها بشكل جيد من خلال المقايسة والمقارنة فبعد أن تحدث عن المنكرين المعاندين الذين يصدون عن آيات اللّه، وأبان جزاءهم وعقوبتهم، بدأ الآن (في الصورة المقابلة) في الحديث عن المؤمنين الراسخين في إيمانهم، وأشار إلى سبعة أنواع من الثواب الذي يشملهم جزاء ومثوبة لهم.
يقول تعالى:(انّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا).
إنّه تعبيرجميل وشامل يتضمّن كلّ الخير والصفات الحميدة، فأولا يوجّه القلب إلى الله ويوثق الإيمان به تعالى ويقويه، ثمّ سيطرة هذا الإيمان وهيمنته على كلّ مرافق الحياة، وثبات السير في هذا الطريق; طريق الأستقامة(1).
هناك الكثير من الذين يدّعون محبة الله، إلاّ أنّنا لا نرى الاستقامة واضحة في عملهم وسلوكهم، فهم ضعفاء وعاجزون بحيث عندما يشملهم طوفان الشهوة يودّعون الإيمان ويشركون في عملهم; وعندما تكون منافعهم في خطر يتنازلون عن إيمانهم الضعيف ذلك.
ففي حديث عن رسول الله(ص) أنّه بعد أن تلا الآية قال: "قد قالها الناس ثمّ كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها"(2).
وفي نهج البلاغة يفسّر الإمام علي (ع) هذه الآية بعبارات حيّة وناطقة عميقة المعنى يقول (ع): "وقد قلتم "ربنا الله" فاستقيموا على كتابه، وعلى منهاج أمره، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته، ثمّ لا تمرقوا منها، ولاتبتدعوا فيها، ولا تخالفوا عنها"(3).
وفي مكان آخر نرى أنّ الإمام علي بن موسى الرضا(ع) أجاب في تفسير معنى الاستقامة بقوله: "هي والله ما أنتم عليه"(4).
وهذا لا يعني أنّ الاستقامة تختص بالولاية فقط، بل إنّ قبول قيادة أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) سيضمّن بقاء خط التوحيد، والطريق الإسلامي الأصيل، واستمرار العمل الصالح، وهذا هو تفسيره(ع) لمعنى الاستقامة.
وخلاصة القول أن قيمة الإنسان هي بالإيمان والعمل الصالح، وهذه القيمة يتحدث عنها الله تبارك وتعالى بقوله: (قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا).
لذلك فقد روي أنّ رجلا جاء إلى رسول الله (ص) فقال له: أخبرني بأمر أعتصم به؟ فقال رسول الله: "قل ربّي الله ثمّ استقم".
ثم سأن الرجل رسول الله(ص) عن أخطر شيء ينبغي عليه أن يخشاه. فمسك رسول الله لسانه وقال: هذا(5).
والآن لنرَ ما هي المواهب الإلهية التي سيشمل من يتمسك بهذين الأصلين؟
القرآن الكريم يشير إلى سبع مواهب عظيمة تبشرهم ملائكة الله بها عندما تهبط عليهم. ففي ظل الإيمان والاستقامة يصل الإنسان إلى مرحلة بحيث تنزل عليه الملائكة وتعلمهُ.
فبعد البشارتين الأولى والثانية والمتمثلتين بعدم (الخوف) و(الحزن) تصف الآية المرحلة الثّالثة بقوله تعالى: (وابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون).
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ على التوحيد والطاعة وعن الرضا (عليه السلام) هي والله ما أنتم عليه ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ عند الموت أو عنده وفي القبر والقيامة ﴿أَلَّا تَخَافُوا﴾ مما أمامكم ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ على ما خلفتم من أهل وولد ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.