لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير تكادُ السماوات يَتَفَطّرن! مرة اُخرى تواجهنا الحروف المقطّعة في مطلع السورة، وهي هنا تنعكس بشكل مفصل، إذ بين أيدينا خمسة حروف. "حم" موجودة في بداية سبع سور قرآنية (المؤمن، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، والأحقاف) ولكن في سورة الشورى أُضيف إليها مقطع (عسق). وقد ذكرنامراراً أنّ للمفسّرين آراءاً وبحوثاً كثيرة حول هذه الحروف، يجملها صاحب مجمع البيان العلاّمة الطبرسي في أحد عشر قولا، وقد ذكرنا أهم تلك الأقوال في مطلع الحديث عن سور: البقرة، آل عمران، والأعراف، ومريم، وغضضنا الطرف عن غير المهم منها. ونذكر الآن بعضاً لا بأس به من هذه الأقوال بالرغم من عدم قيام دليل قاطع على صحتها. فمنها قولهم أنّ هذه الحروف جاءت كأُسلوب للفت أنظار الناس إلى القرآن، لأنّ المشركين والمعاندين كانوا قد تواصوا فيما بينهم على عدم استماع آيات الله، خاصّة عندما كان رسول الله يقرؤها عليهم، إذ كانوا يثيرون الضوضاء، لذلك جاءت الحروف المقطعة (في 29 سورة قرآنية) لتكون أسلوباً جديداً في جلب الإنتباه. وقد ذكر العلاّمة الطباطبائي إحتمالا آخر يمكن أن نضيفه إلى ما استخلصه العلاّمة الطبرسي من الأقوال الأحد عشر ليكون المجموع اثنا عشر تفسيراً. وما ذكره العلامة الطباطبائي وإن كان مثله مثل غيره من الأقوال ممّا لم يقم الدليل القاطع عليه، إلاّ أنّه من المفيد أن نستعرضه بإيجاز. يقول العلاّمة الطباطبائي: "إنك إن تدبرت بعض التدبُّر في هذه السور التي تشترك في الحروف المفتتح بها مثل الميمات والراءات والطواسين والحواميم، وجدت في السور المشتركة في الحروف من تشابه المضامين، وتناسب السياقات ما ليس بينها وبين غيرها من السور". "ويؤكّد ذلك ما في مفتتح أغلبها من تقارب الألفاظ، كما في مفتتح الحواميم من قوله: (تنزيل الكتاب من الله) أو ما هو في معناه، وما في مفتتح الراءات من قوله: (تلك آيات الكتاب) أو ما في معناه، ونظير ذلك في مفتتح الطواسين، وما في مفتتح الميمات من نفي الريب عن الكتاب أو ما هو في معناه". "ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطاً خاصاً، ويؤيد ذلك ما نجده في سورة الأعراف المصدّرة بـ "المص" في مضمونها كأنّها جامعة بين مضامين الميمات و ص( أي ما افتتح بـ "ألم" و"ص") وكذا سورة الرعد المصدّرة بـ "المر" في مضمونها كأنّها جامعة بين مضامين الميمات والراءات". "ولعلّ المتدبر لو تدبر في مشتركات هذه الحروف، وقايس مضامين السور التي وقعت فيها بعضها إلى بعض، لتبيّن له الأمر أزيد من ذلك"(1). وثمّة تفسير آخر أشرنا إليه سابقاً، وهو احتمال أن تكون هذه الحروف إشارات ورموزاً لأسماء الخالق ونعمه وقضايا اُخرى. مثلا، في السورة التي نبحثها اعتبروا الحاء إشارة إلى الرحمن، والميم إلى المجيد، والعين إلى العليم، والسين إلى القدوس، والقاف إلى القاهر(2). يعترض البعض على هذا الكلام بقولهم: لو كان المقصود من الحروف المقطعة أن لا يعلم بها الآخرون فإنّ ذلك غير صحيح، لأنّ هناك آيات اُخرى تصرّح بأسماء الله، ولكن يجب الإنتباه إلى أنّ الرموز والإشارات لا تعني دائماً أن يبقى الموضوع أو المعنى سرّياً، بل قد تكون أحياناً علامة للإختصار، وهذا الأمر كان موجوداً سابقاً، وهو مشهور في عصرنا الراهن، بحيث أنّ أسماء العديد من المؤسسات والمنظمات الكبيرة، تكون على شكل مجموعة مختصرة من الحروف المقطّعة التي يرمز كلُّ منها إلى جزء من الاسم الأصيل. ﴿حم عسق﴾ الإيحاء أو مثل معاني السورة ﴿كَذَلِكَ يُوحِي﴾ أوحى ﴿إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ﴾ عبر بالمضارع إيذانا بأن إيحاء مثله عادته ﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.