وقد يكون التعبير بـ "كذلك" إشارة إلى أنّهُ مثلما أوحينا إلى الأنبياء السابقين بلسانهم، فإنّنا كذلك أوحينا إليك بلسانك، هذا القرآن العربي.
وعليه تكون "كذلك" إشارة إلى: (وإلى الذين من قبلك).
ويمكن أن تكون إشارة إلى مابعدها، يعني أنّا أوحيناه إليك بهذه الصورة قرآناً عربياً يهدف إلى الإنذار.
صحيح أنّنا نستفيد من نهاية الآية أيّ من قوله تعالى: (فريق في الجنّة وفريق في السعير) أنّ مسؤولية النّبي(ص) هي التبشير والإنذار، ولكن بسبب ما للإنذار من تأثير أعمق في نفوس الأفراد المعاندين والجهلة، لذا فإنّ الآية استندت إلى "الإنذار" مرّتين فقط، مع اختلاف بينهما، إذ أنّ الكلام شمل في المرحلة الأولى إنذار المستمعين، بينما شمل في الثانية تخويفهم من شيء يجب أن يخافوه، يعني القيامة وما فيها من حساب وفضيحة ستكون مؤلمة وصعبة للغاية، بسبب حضور الأشهاد والملائكة والناس(5).
وقد يتساءل البعض هنا: إنّنا نستفيد من قوله تعالى: (لتنذر أم القرى ومن حولها) أنّ الهدف من نزول القرآن هو لإنذار أهل مكّة وأطرافها. أفلا يتنافى هذا المعنى مع مفهوم عالمية الإسلام؟
الجواب على هذا الإستفهام يتمّ من خلال ملاحظة المعنى الذي تستبطنه (أُمّ القرى).
إنّ كلمة "أُمّ القرى" وهي أحد أسماء مكّة المكرّمة، مؤلّفة من كلمتين هما:"أُمّ" وتعني في الأصل الأساس والبداية في كلّ شيء، ولهذا السبب تسمى الأُمّ بهذا الأسم لأنّها أساس وأصل الأبناء.
ثمّ كلمة "قرى" جمع "قرية" بمعنى أي منطقة معمورة أو مدينة، سواء كانت المدينة كبيرة أم صغيرة، أو مجرّد قرية.
وفي القرآن الكريم ثمّة أدلة كثيرة على هذا المعنى.
والآن لنرَ لماذا سمّيت "مكّة" بأُمّ القرى؟
الرّوايات الإسلامية تصرّح بأنّ الأرض كانت في البداية مغطاة جميعها بالماء، ثمّ بدأت اليابسة تظهر بشكل تدريجي من تحت هذه المياه. (تؤيد النظريات العلمية الآن هذا المعنى).
ثمّ تخبرنا الرّوايات بأنّ منطقة الكعبة كانت أوّل منطقة ظهرت من تحت الماء، ثمّ بدأت اليابسة بالإتساع من جوار الكعبة، ويعرف ذلك بدحو الأرض.
وهكذا يتّضح أن مكّة هي أصل وأساس لجميع القرى والمدن على سطح الأرض، لذا فمتى قيل (أُمّ القرى ومن حولها) فالمعنى سيشمل جميع الناس على سطح الكرة الأرضية(6).
مضافاً إلى ذلك، نحن نعرف أنّ الإسلام بدأ بالانتشار تدريجياً، ففي البداية أمر النّبي(ص) بإنذار المقرّبين إليه، كما ورد في قوله تعالى: (وانذر عشيرتك الأقربين)(7) كي تتقوى قاعدة الإسلام وتصلب نواته، ويكون أكثر قدرة واستعداداً للإنتشار.
ثم جاءت المرحلة الثانية المتمثلة بإنذار العرب، كما ورد في قوله تعالى: (قرآناً عربياً لقوم يعلمون)(8).
وكذلك في قوله تعالى: (وإنّه لذكر لك ولقومك).
وعندما ترسخت أعمدة الإسلام بين هـؤلاء القوم، وقوي عوده أمر رسول الله(ص) بأوسع من ذلك، أن ينذر العالم والناس كافة، كما نقرأ في أوّل سورة الفرقان في قوله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)وفي آيات اُخرى.
وبسبب هذا التكليف قام رسول الله(ص) بإرسال الرسائل إلى زعماء العالم خارج الجزيرة العربية، ودعا كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم إلى الإسلام.
ووفق هذه التعليمات قام أتباعه من بعده بالدعوة إلى الإسلام في مختلف بقاع العالم، ونشروا تعاليم الإسلام في جميع أرجاء المعمورة.
أمّا لماذا سمّي يوم القيامة بيوم الجمع؟ فهناك أقوال مختلفة منها:
بسبب ما يكون فيه من جمع بين الأرواح والأجساد.
أو بسبب الجمع بين الإنسان وعمله.
أو بسبب الجمع بين الظالم والمظلوم.
ولكن يظهر أنّ السبب يتمثل في الجمع بين الخلائق من الأولين والآخرين كما نقرأ ذلك واضحاً في قوله تعالى: (قل إنّ الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم)(9).
﴿وَكَذَلِكَ﴾ الإيحاء ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أهل مكة وسائر الناس العذاب ﴿وَتُنذِرَ﴾ الناس ﴿يَوْمَ الْجَمْعِ﴾ يوم القيامة تجمع فيه الخلق والأرواح والأجساد أو كل عامل وعمله ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ اعتراض ﴿فَرِيقٌ﴾ منهم ﴿فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ في النار.