الآية التي بعدها تشير إلى الدليل الرابع لولايته تعالى فتقول: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله). فهو التوحيد الذي يستطيع أن يحل مشاكلكم.
إنّ من اختصاصات الولاية أن يستطيع الولي إنهاء اختلافات من هم تحت ولايته بحكمه الصائب، فهل تستطيع الأصنام والشياطين التي تعبدونها أن تقوم بذلك، أم أنّ هذا الأمر يختص بالله الحكيم والعالم والقادر على حل مشاكل عباده، وتنفيذه لحكمه وإرادته دون غيره؟
إذن فالله العزيز الحكيم هو الحاكم لا غيره.
لقد حاول بعض المفسّرين حصر مفهوم الإختلاف الذي تشير إليه الآية في قوله تعالى: (ما اختلفتم فيه من شيء) في الإختلاف الوارد في الآيات المتشابهة، أو في الإختلاف والمخاصمات الحقوقية فقط، إلاّ أنّ مفهوم الآية أوسع من ذلك، إذ هي تشمل الإختلاف سواء كان في المعارف الإلهية والعقائد، أم الأحكام الشرعية، أم القضايا الحقوقية والقضائية، أم غير ذلك ممّا يحدث بين الناس لقلّة معلوماتهم ومحدوديتها; إنّ ذلك ينبغي أن يحل عن طريق الوحي، وبالرجوع إلى علم الله وولايته.
وبعد ذكر الدلائل المختلفة على اختصاص الولاية بالله، تقول الآيات على لسان النّبي(ص): (ذلكم الله ربّي)(2) فهو الذي يتصف بهذه الأوصاف الكمالية ولهذا السبب: (عليه توكلت وإليه أنيب) أيّ أعود إليه في المشكلات والشدائد والزلات.
جملة: (ذلكم الله ربّي) تشير إلى الربوبية المطلقة لله بمعنى الحاكمية المتزامنة مع التدبير. ونحن نعلم أنّ للربوبية قسمين: القسم التكويني الذي يعود إلى إدارة نظام الوجود، والقسم التشريعي الذي يقوم بتوضيح الأحكام ووضع القوانين وإرشاد الناس بواسطة الرسل والأنبياء(عليهم السلام).
وعلى أساس ذلك طرحت الآية فيما بعد قضية "التوكل" و"الإنابة" حيث تعني الأولى رجوع جميع الأُمور الذاتية في النظام التكويني إلى الخالق جلّوعلا. والثّانية تعني رجوع الأمور التشريعية إليه(3).
﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ﴾ من أمور دينكم ودنياكم ﴿فَحُكْمُهُ﴾ مفوض ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ يفصل بينكم بإثابة المحق ومعاقبة المبطل ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي﴾ بتقدير قل ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أرجع في أموري.