سبب النّزول
لقد ورد في تفسير مجمع البيان سبب نزول للآيات 23 وحتى 26 من هذه السورة أنّه ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني عثمان بن عمير عن سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس أنّ رسول الله حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول الله فنقول له إن تعروك أُمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك فأتوه في ذلك فنزلت: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) فقرأها عليهم وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله فقال المنافقون: إن هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك أن يذللنا لقرابته من بعده، فنزلت: (أم يقولون افترى على الله كذباً)فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتد عليهم فانزل الله: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) الآية، فأرسل في أثرهم فبشرهم وقال: (ويستجيب الذين آمنوا وهم الذين سلّموا لقوله تعالى)(1).
التّفسير
أجر الرسالة في مودة أهل البيت (عليهم السلام)
بما أنّ الآية 13 من هذه السورة كانت تتحدث عن تشريع الدين من قبل الخالق بواسطة الأنبياء أولي العزم، لذا فإن أوّل آية في هذا البحث - كاستمرار للموضوع - تقول في مجال نفي تشريع الأخرين، وأن جميع القوانين ليست معتبرة قبال القانون الإلهي، وأن التقنين يختص بالخالق: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله).
فهو خالق ومالك ومدبر عالَم الوجود، ولهذا السبب تنفرد ذاته المنزهة بحق التقنين، ولا يستطيع شخص أن يتدخل في تشريعاته دون إذن، لذا فكل شيء باطل قبال تشريعه.
وبعد ذلك يقوم القرآن بتهديد المشرعين بالباطل، حيث تقول الآية: (ولو لا كلمة الفصل لقضي بينهم) حيث يصدر الأمر بعذابهم.
وفي نفس الوقت يجب عليهم أن لا ينسوا هذه الحقيقة وهي: (وإن الظالمين لهم عذاب أليم).
المقصود من (كلمة الفصل) هي المدّة المقررة المعطاة من قبل الخالق لمثل هؤلاء الأفراد، كي تكون لهم حرية العمل وتتم الحجة عليهم.
كما أن عبارة (ظالمين) تتحدث عن المشركين الذين لهم عقائد منحرفة قبال القوانين الإلهية وذلك بسبب اتساع مفهوم الظلم، وإطلاقه على أي عمل ليس في مورده.
ويظهر أن المقصود من (العذاب الأليم) هو عذاب يوم القيامة، لأن هذه العبارة عادةً ما تستخدم بهذا المعنى في القرآن الكريم، والآية التي بعدها تشهد على هذه الحقيقة، وما قاله بعض المفسّرين (كالقرطبي) من أن ذلك يشمل عذاب الدنيا والآخرة مستبعد.
﴿أَمْ ) بل ﴿لَهُمْ﴾ والهمزة للتوبيخ ﴿شُرَكَاء﴾ وهم شياطينهم ﴿شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ﴾ الباطل ﴿مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ كالشرك ونفي البعث ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ﴾ الوعد بتأخير الفصل إلى القيامة ﴿لقضي بينهم﴾ وبين المؤمنين بإهلاكهم في الدنيا ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.