ثم تذكر الآية بياناً مجملا حول (عذاب الظالمين) ثمّ بياناً مفصلا عن (جزاء المؤمنين)، فتقول: (ترى الظالمين مشفقين ممّا كسبوا وهو واقع بهم). (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات).
"روضات" جمع (روضة) وتعني المكان الذي يشتمل على الماء والشجر الكثير، لذا فإن كلمة (روضة) تطلق على البساتين الخضراء، ونستفيد من هذه العبارة بشكل واضح أن بساتين الجنّة متفاوتة، والمؤمنون من ذوي الأعمال الصالحة في أفضل بساتين الجنّة، ومفهوم هذا الكلام أن ّالمؤمنين المذنبين سيدخلون الجنّة بعد أن يشملهم العفو الإلهي بالرغم من أن مكانهم ليس في (الروضات).
إلاّ أن الفضل الإلهي بخصوص المؤمنين ذوي الأعمال الصالحة لا ينتهي هنا، فسوف يشملهم اللطف الإلهي بحيث: (لهم ما يشاؤون عند ربّهم).
ولهذا الترتيب لا يوجد أي قياس بين (العمل) و (الجزاء)، بل إن جزاءهم غير محدود من جميع الجهات، لأن جملة: (لهم ما يشاؤون) تكشف عن هذه الحقيقة.
والأجمل من ذلك عبارة (عند ربّهم) حيث توضح اللطف الإلهي اللامتناهي بشأنّهم، وهل هناك فوز أكبر من أن يصلوا إلى قرب مقام الخالق؟ فكما يقول بخصوص الشهداء: (بل أحياء عند ربّهم يرزقون)، كذلك يقول بشأن المؤمنين ذوي الأعمال الصالحة: (لهم ما يشاؤون عند ربّهم).
وليس غريباً أن تقول الآية في نهايتها: (ذلك هو الفضل الكبير).
وقد قلنا - مراراً - أنّه لا يمكن شرح نعم الجنّة من خلال الكلام، فنحن المكبلون بقيود عالم المادة، لا نستطيع أن ندرك المفاهيم التي تتضمّنها جملة: (لهم ما يشاؤون عند ربّهم). فماذا يريد المؤمنون؟ وما هي الألطاف الموجودة في جوار قربه تعالى؟!
وعادة عندما يقوم الخالق العظيم بوصف شيء ما بالفضل الكبير، فإنّ ذلك يكشف عن مقدار العظمة بحيث يكون أعظم من كلّ ما نفكر به.
وبعبارة اُخرى: سوف يصل الأمر بهؤلاء العباد الخلّص أنّه سيتوفر لهم كلّ ما يريدونه، يعني سيظهر في وجودهم شعاع من قدرة الخالق الأزلية، أي (إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)(2)، فهل هناك فضيلة وموهبة أعظم من هذه؟
﴿تَرَى الظَّالِمِينَ﴾ يوم القيامة ﴿مُشْفِقِينَ﴾ خائفين ﴿مِمَّا كَسَبُوا﴾ من الجرائم ﴿وَهُوَ﴾ أي وباله ﴿وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ لا محالة ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾ في متنزهاتها ﴿لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ﴾ يتمنونه ﴿عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ﴾ الثواب ﴿هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ ذَلِكَ﴾ الثواب والتبشير