صحيح أن الخالق ينزل الرزق بقدر حتى لا يطغي العباد، إلاّ أنّه لا يمنعهم أو يحرمهم، لذا فإن الآية التي بعدها تقول: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته).
ولماذا لا يكون هذا: (وهو الولي الحميد)؟
هذه الآية تتحدث عن آيات وعلائم التوحيد في نفس الوقت الذي تبيّن فيه نعمة ولطف الخالق، لأن نزول المطر يشتمل على نظام دقيق للغاية ومحسوب، فعندما تشرق الشمس على المحيطات تفصل ذرات الماء الدقيقة عن الأملاح وترسلها على شكل سحب إلى السماء، ثمّ تقوم طبقات الجو العليا الباردة بتكثيفها، ثمّ تحملها الرياح إلى الأراضي اليابسة، ثمّ تتحول أخيراً إلى قطرات مطر بسبب برودة الهواء وضغطه الخاص وتهطل على الأرض، وتنفذ فيها دون تخريب.
نعم، فلو دققنا النظر في هذا النظام، فسنجد علائم قدرة الخالق وعلمه متجلية فيه، فهو الولي الحميد الذي يقوم بتأمين كلّ حاجات العباد وتشملهم ألطافه العديدة.
ولابدّ القول أن كلمة (غيث) تعني المطر النافع، كما يقول العديد من المفسّرين وبعض علماء اللغة، في حين أن (المطر) يطلق على جميع الأنواع الأُخرى النافعة والضارة.
لذا، فبعد تلك الجملة وردت عبارة: (وينشر رحمته).
ياله من تعبير لطيف وشامل! فهو ينشر رحمته لإحياء الأراضي الميتة، ونمو النباتات وتنظيف الهواء، وتأمين ماء الشرب للإنسان وباقي الكائنات الحية، والخلاصة في جميع المجالات.
فلو أراد الإنسان أن يدرك مفهوم هذه الجملة القرآنية، فإنّ عليه أن يتوجه نحو الجبال والسهول بعد نزول المطر وعندما تشرق الشمس، كي يشاهد الجمال واللطافة ورحمة الخالق الواسعة وهي تعمر كلّ مكان.
وقد تكوه الإستفادة من كلمة (غيث) بسبب أن لها جذوراً مشتركة مع (غوث) المأخوذه من الإغاثة، ولهذا السبب فإن بعض المفسّرين اعتبر الكلمة أعلاه إشارة إلى أي إغاثة من قبل الخالق بعد اليأس ونشر رحمته(5).
﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ المطر النافع ﴿مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾ يئسوا منه ﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾.