لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية الأُخرى تجيب على هذا السؤال وتقول: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم). ثم إن هذا الجزاء ليس جزاءً على جميع أعمالكم القبيحة، لأنّه (ويعفو عن كثير). ملاحظات علّة المصائب: ومن الضروري الإنتباه إلى بعض الملاحظات الواردة في هذه الآية: 1 - تبيّن هذه الآية وبوضوح أن المصائب التي تصيب الإنسان هي نوع من التحذير والعقاب الإلهي (بالرغم من وجود بعض الإستثناءات التي سنشير إليها فيما بعد). وبهذا الترتيب سيتوضح لنا جانب من فلسفة الحوادث المؤلمة والمشاكل الحياتية. والطريف في الأمر أنّنا نقرأ في حديث عن الإمام علي(ع) أنّه نقل عن الرّسول(ص)قوله: "خير آية في كتاب الله هذه الآية، يا علي ما من خدش عود، ولا نكبة قدم إلا بذنب، وما عفى الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه، وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده"(8). وهكذا فإنّ هذه المصائب إضافة إلى أنّها تقلل من حمل الإنسان، فإنها تجعله يتزن في المستقبل. 2 - بالرغم من عمومية الآية وشمولها كلّ المصائب، لكن توجد استثناءات لكلم عامّ، مثل المصائب والمشاكل التي أصابت الأنبياء والأئمة المعصومين(عليهم السلام)بهدف الإختبار أو رفع مقامهم. وأيضاً المصائب بهدف الاختبار التي تشمل غير المعصومين. أو المصائب التي تحدث بسبب الجهل أو عدم الدقة في الأمور وعدم الإستشارة والتساهل والتي هي آثار تكوينية لأعمال الإنسان نفسه. وبعبارة اُخرى فإن الجمع بين الآيات القرآنية المختلفة - والأحاديث - يقتضي التخصيص في بعض الموارد بالنسبة لهذه الآية العامة، وليس هذا موضوعاً جديداً ليكون محل نقاش بعض المفسّرين. وخلاصة القول فإنّ هناك غايات مختلفة للمصائب والمشاكل التي تصيب الإنسان، حيث تمّت الإشارة إليها في المواضيع التوحيدية وبحوث العدل الإلهي. فالملكات تنمو وتتكامل تحت ضغط المصائب، ويكون هناك حذر بالنسبة للمستقبل، ويقظة من الغرور والغفلة وكفارة للذنب و... وبما أن أغلب أعمال الأفراد لها طبيعة جزائية وتكفيرية، لذا فإنّ الآية تطرح ذلك بشكل عام. ولذا فقد ورد في الحديث أنّه وعندما دخل علي بن الحسين(ع) على يزيد بن معاوية، نظر إليه يزيد وقال: يا على، ما أصابكم من مصيبة فبماكسبت أيديكم (إشارة إلى أنّ مأساة كربلاء هي نتيجة أعمالكم). إلاّ أنّ الإمام(ع) أجابه مباشرة: "كلا ما نزلت هذه فينا، إنّما نزل فينا:(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم) فنحن الذين لا نأسى على مافاتنا من أمر الدنيا، ولا نفرح بما أوتينا"(9). وننهي هذا الكلام بحديث آخر عن الإمام الصادق(ع) فعندما سئل عن تفسير الآية أعلاه قال: تعلمون أن علياً وأهل بيته قد أصيبوا بالمصائب من بعده، فهل كان ذلك بسبب أعمالهم؟ في حين أنّهم أهل بيت الطهر، والعصمة من الذنب، ثمّ أضاف: نص إنّ رسول الله كان يتوب إلى الله ويستغفر في كلّ يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب، إنّ الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب(10). 3 - البعض يشكك في أن يكون المقصود من المصائب في هذه الآية مصائب الدنيا، لأن الدنيا هي دار العمل وليس دار الثواب والجزاء. وهذا خطأ كبير، لوجود آيات وروايات متعددة تؤّكد أن الإنسان يرى - أحياناً - جانباً من نتيجة أعماله في هذه الدنيا، وما يقال من أن الدنيا ليست داراً للجزاء ولا تتم فيها تصفية جميع الحسابات، لا يعني عدم الجزاء بشكل مطلق، حيث أن إنكار هذه الحقيقة يشبه إنكار البديهيات، كما يقول المطّلعون على المفاهيم الاسلامية. 4 - أحياناً قد تكون المصائب جماعية، وبسب ذنوب الجماعة، كما نقرأ في الآية (41) من سورة الروم: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون). وواضح أن هذا يختص بالمجتمعات الإنسانية التي أصيبت بالمصائب بسبب أعمالها. وورد في الآية 11 من سورة الرعد: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وهذه الآيات تدل على وجود إرتباط وعلاقة قريبة بين أعمال الإنسان والنظام التكويني للحياة، فإذا سار الناس وفقاً لأصول الفطرة وقوانين الخلق فستشملهم البركات الإلهية، وعند فسادهم يفسدون حياتهم. وأحياناً قد يصدق هذا الأمر بخصوص آحاد الناس، فكل إنسان سيصاب في جسمه وروحه أو أمواله ومتعلقاته الأُخرى بسبب الذنب الذي يرتكبه، كما جاء في الآية أعلاه(11). على أية حال، فقد يتصور البعض أنّهم يستطيعون الهروب من هذا القانون الإلهي الحتمي. لذا فإن آخر آية في هذا البحث تقول: (وما أنتم بمعجزين في الأرض)(12). وفي السماء بطريق اولى وكيف تستطيعون الهروب من قدرته وحاكميته في حين أن كلّ عالم الوجود هو في قبضته ولا منازع له؟ وإذا كنتم تعتقدون بوجود من سيساعدكم وينصركم، فاعلموا: (ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير). قد يكون الفرق بين (الولي) و (النصير) هو أن الولي هو الذي يقوم بجلب المنفعة، والنصير هو الذي يقوم بدفع الضرر، أو أن الولي يقال لمن يدافع بشكل مستقل، والنصير يقال لمن يقف إلى جانب الإنسان ويقوم بنصرته. وفي الحقيقة فإن آخر آية تجسد ضعف وعجز الإنسان، والآية التي قبلها عدالة الخالق ورحمته(13). مسائل مهمّة الاولى: مصائبكم بما كسبت أيديكم: يتصور العديد من الناس أن علاقة أعمال الإنسان بالجزاء الإلهي مثل العقود الدنيوية وما تحتويه من الأجر والعقاب، في حين قلنا - مراراً - إن هذه العلاقة أقرب ما تكون إلى الإرتباط التكويني منه إلى الإرتباط التشريعي. وبعبارة اُخرى فإنّ الأجر والعقاب أكثر ما يكون بسبب النتيجة الطبيعية والتكوينية لأعمال الإنسان حيث يشملهم ذلك. والآيات أعلاه خير شاهد على هذه الحقيقة. وبهذا الخصوص هناك روايات كثيرة في المصادر الإسلامية نشير إلى بعضها لتكميل الموضوع: 1 - ورد في إحدى خطب نهج البلاغة: "ماكان قوم قط في غض نعمة من عيش، فزال عنهم إلاّ بذنوب اجترحوها، لأن الله ليس بظلام للعبيد، ولو أنّ الناس حين تنزل بهم النقم، وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربّهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد، وأصلح لهم كلّ فاسد"(14). 2 - وهناك حديث آخر عن أمير المؤمنين الإمام علي(ع) في (جامع الأخبار) حيث يقول: "إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة"(15). وهذا الحديث خير شاهد للإستثناءات التي ذكرناها لهذه الآية. وورد في حديث آخر عن الإمام الصادق(ع) في الكافي أنّه قال: "إن العبد إذا كثرت ذنوبه، ولم يكن عنده من العمل ما يكفرها، ابتلاه بالحزن ليكفرها"(16). 4 - وهناك باب خاص لهذا الموضوع في كتاب أصول الكافي يشمل 12 حديثاً(17). وكل هذه هي غير الذنوب التي صرحت الآية أعلاه بأن الخالق سيشملها بعفوه ورحمته، حيث أنّها - بحد ذاتها - كثيرة. الثانية: اشتباه كبير قد يستنتج البعض بشكل خاطىء من هذه الحقيقة القرآنية ويقول بوجوب الإستسلام لأي حادثة مؤسفة، إلاّ أن هذا الأمر خطير للغاية، لأنّه يستفيد من هذا الأصل القرآني التربوي بشكل معكوس ويستنتج نتيجة تخديرية. فالقرآن لا يقول أبداً بالإستسلام حيال المصائب وعدم السعي لحل المشاكل، والركون للظلم والجور والمرض، بل يقول: إذا شملتك المصائب بالرغم من سعيك ومحاولاتك لدفعها، فاعلم أن ذلك هو كفارة الذنوب التي قمت بها وارتكبتها، عليك أن تفكر بأعمالك السابقة، وتستغفر لذنوبك، وتصلح نفسك وتكتشف نقاط ضعفك. وإذا ورد في الروايات أن هذه الآية من أفضل آيات القرآن، فذلك بسبب تأثيرها التربوي المهم، ومن جانب آخر تقوم بتخفيف هموم الإنسان، وتعيد الأمل وعشق الخالق إلى قلبه وروحه. الثّالثة: من هم أصحاب الصفة؟ الذين يذهبون إلى زيارة قبر النّبي(ص) في المدينة، يشاهدون مكاناً مرتفعاً قليلا عن الأرض في زاوية المسجد وقرب القبر الشريف حيث عزلت أطرافه بشكل جميل عن باقي المسجد، كما أن الكثير ينتخب هذا المكان لتلاوة القرآن والصلاة. هذا المكان يذكرنا بمكان (الصفّة) وهو المحل الذي هيأه النّبي(ص)لمجموعة من الغرباء الذين اعتنقوا الإسلام ولم يكن لديهم مأوى سوى المسجد(18). توضيح: أوّل شخص غريب اعتنق الإسلام ولم يكن يملك مكاناً في المدينة هو شاب من أهل اليمامة يسمى (جويبر) حيث أن قصة زواجه الشهيرة مع (الذلفاء) تعتبر من أجمل حوادث محاربة الفواصل الطبقية في التأريخ الإسلامي. وقد سمح له الرّسول(ص) بالمبيت ليلا في المسجد، لأنّه لا يملك مكاناً للإستراحة والسكن، وعندما كثر عدد الغرباء - وكلهم سكن المسجد - أدى ذلك إلى وضع سلبي للمسجد، أمر الرّسول(ص) بإخراجهم من المسجد وتطهيره، واغلقت أبواب بيوت الصحابة التي كانت شارعة إلى المسجد بأمر الرّسول(ص)ما عدا بيت علي وفاطمة(عليهما السلام). عندها أمر الرّسول(ص) بتسقيف مكان معين بسعف النخل ليكون محلا لسكن الغرباء والفقراء، وكان بنفسه يزورهم ويعطيهم الماء والتمر والخبز والمواد الغذائية الأُخرى، وقام باقي المسلمين بالإهتمام بهم ومساعدتهم عن طريق الزكاة وأنواع الإنفاق الأُخرى. وقد اشترك هؤلاء في المعارك الإسلامية وجاهدوا بإخلاص، وقد وردت بعض الآيات القرآنية لتذكر فضلهم وصفاءهم وطهرهم، وقد سمّوا (بأصحاب الصُفّة) لأنّهم سكنوا تلك (الصفّة). ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ فبسبب ذنوبكم ﴿وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ منها فلا يعجل عقوبة رحمته واستدراجا وما أصاب غير المذنبين فلتعريضهم للأجر.