لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
على أية حال، فقد يتصور البعض أنّهم يستطيعون الهروب من هذا القانون الإلهي الحتمي. لذا فإن آخر آية في هذا البحث تقول: (وما أنتم بمعجزين في الأرض)(12). وفي السماء بطريق اولى وكيف تستطيعون الهروب من قدرته وحاكميته في حين أن كلّ عالم الوجود هو في قبضته ولا منازع له؟ وإذا كنتم تعتقدون بوجود من سيساعدكم وينصركم، فاعلموا: (ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير). قد يكون الفرق بين (الولي) و (النصير) هو أن الولي هو الذي يقوم بجلب المنفعة، والنصير هو الذي يقوم بدفع الضرر، أو أن الولي يقال لمن يدافع بشكل مستقل، والنصير يقال لمن يقف إلى جانب الإنسان ويقوم بنصرته. وفي الحقيقة فإن آخر آية تجسد ضعف وعجز الإنسان، والآية التي قبلها عدالة الخالق ورحمته(13). مسائل مهمّة الاولى: مصائبكم بما كسبت أيديكم: يتصور العديد من الناس أن علاقة أعمال الإنسان بالجزاء الإلهي مثل العقود الدنيوية وما تحتويه من الأجر والعقاب، في حين قلنا - مراراً - إن هذه العلاقة أقرب ما تكون إلى الإرتباط التكويني منه إلى الإرتباط التشريعي. وبعبارة اُخرى فإنّ الأجر والعقاب أكثر ما يكون بسبب النتيجة الطبيعية والتكوينية لأعمال الإنسان حيث يشملهم ذلك. والآيات أعلاه خير شاهد على هذه الحقيقة. وبهذا الخصوص هناك روايات كثيرة في المصادر الإسلامية نشير إلى بعضها لتكميل الموضوع: 1 - ورد في إحدى خطب نهج البلاغة: "ماكان قوم قط في غض نعمة من عيش، فزال عنهم إلاّ بذنوب اجترحوها، لأن الله ليس بظلام للعبيد، ولو أنّ الناس حين تنزل بهم النقم، وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربّهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد، وأصلح لهم كلّ فاسد"(14). 2 - وهناك حديث آخر عن أمير المؤمنين الإمام علي(ع) في (جامع الأخبار) حيث يقول: "إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة"(15). وهذا الحديث خير شاهد للإستثناءات التي ذكرناها لهذه الآية. وورد في حديث آخر عن الإمام الصادق(ع) في الكافي أنّه قال: "إن العبد إذا كثرت ذنوبه، ولم يكن عنده من العمل ما يكفرها، ابتلاه بالحزن ليكفرها"(16). 4 - وهناك باب خاص لهذا الموضوع في كتاب أصول الكافي يشمل 12 حديثاً(17). وكل هذه هي غير الذنوب التي صرحت الآية أعلاه بأن الخالق سيشملها بعفوه ورحمته، حيث أنّها - بحد ذاتها - كثيرة. الثانية: اشتباه كبير قد يستنتج البعض بشكل خاطىء من هذه الحقيقة القرآنية ويقول بوجوب الإستسلام لأي حادثة مؤسفة، إلاّ أن هذا الأمر خطير للغاية، لأنّه يستفيد من هذا الأصل القرآني التربوي بشكل معكوس ويستنتج نتيجة تخديرية. فالقرآن لا يقول أبداً بالإستسلام حيال المصائب وعدم السعي لحل المشاكل، والركون للظلم والجور والمرض، بل يقول: إذا شملتك المصائب بالرغم من سعيك ومحاولاتك لدفعها، فاعلم أن ذلك هو كفارة الذنوب التي قمت بها وارتكبتها، عليك أن تفكر بأعمالك السابقة، وتستغفر لذنوبك، وتصلح نفسك وتكتشف نقاط ضعفك. وإذا ورد في الروايات أن هذه الآية من أفضل آيات القرآن، فذلك بسبب تأثيرها التربوي المهم، ومن جانب آخر تقوم بتخفيف هموم الإنسان، وتعيد الأمل وعشق الخالق إلى قلبه وروحه. الثّالثة: من هم أصحاب الصفة؟ الذين يذهبون إلى زيارة قبر النّبي(ص) في المدينة، يشاهدون مكاناً مرتفعاً قليلا عن الأرض في زاوية المسجد وقرب القبر الشريف حيث عزلت أطرافه بشكل جميل عن باقي المسجد، كما أن الكثير ينتخب هذا المكان لتلاوة القرآن والصلاة. هذا المكان يذكرنا بمكان (الصفّة) وهو المحل الذي هيأه النّبي(ص)لمجموعة من الغرباء الذين اعتنقوا الإسلام ولم يكن لديهم مأوى سوى المسجد(18). توضيح: أوّل شخص غريب اعتنق الإسلام ولم يكن يملك مكاناً في المدينة هو شاب من أهل اليمامة يسمى (جويبر) حيث أن قصة زواجه الشهيرة مع (الذلفاء) تعتبر من أجمل حوادث محاربة الفواصل الطبقية في التأريخ الإسلامي. وقد سمح له الرّسول(ص) بالمبيت ليلا في المسجد، لأنّه لا يملك مكاناً للإستراحة والسكن، وعندما كثر عدد الغرباء - وكلهم سكن المسجد - أدى ذلك إلى وضع سلبي للمسجد، أمر الرّسول(ص) بإخراجهم من المسجد وتطهيره، واغلقت أبواب بيوت الصحابة التي كانت شارعة إلى المسجد بأمر الرّسول(ص)ما عدا بيت علي وفاطمة(عليهما السلام). عندها أمر الرّسول(ص) بتسقيف مكان معين بسعف النخل ليكون محلا لسكن الغرباء والفقراء، وكان بنفسه يزورهم ويعطيهم الماء والتمر والخبز والمواد الغذائية الأُخرى، وقام باقي المسلمين بالإهتمام بهم ومساعدتهم عن طريق الزكاة وأنواع الإنفاق الأُخرى. وقد اشترك هؤلاء في المعارك الإسلامية وجاهدوا بإخلاص، وقد وردت بعض الآيات القرآنية لتذكر فضلهم وصفاءهم وطهرهم، وقد سمّوا (بأصحاب الصُفّة) لأنّهم سكنوا تلك (الصفّة). ﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ بفائتين الله هربا ﴿فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ﴾ يمنعكم من عذابه ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ يدفعه عنكم.